الحقنة
تردد الحراس في إيقاظه، فالساعة تجاوزت الثامنة صباحاً وثمة جدول مزدحم ، ولا بد من الالتزام بالمواعيد ..
أخيراً ، تجرأرئيس الخدم و طرق طرقاً خفيفاً على الغرفة المحروسة، ثم وضع إذنه على الخشب يسترق الردّ، لكنه لم يسمع صوتاً ينادي او يستجيب، فتح الباب برفق ، دخل بمشية خفيفة تجاه سرير الزعيم..هزّ كتفه قليلاً...استفاق الزعيم مفزوعاً بلسان رخو "مربوط"..ابتسم رئيس الخدم في الوجه المخطوف : صباح الخير مولاي..حان موعد استيقاظك..لدينا برنامج حافل هذا لنهار ..كما تعرف اليوم هو......فقاطعه الزعيم ببعض الكلمات التي لم ينضجها لسانه النيئ...أماء رئيس الخدم لخادمتين جميلتين بالدخول ..شرعن مباشرة بفك أزرار القميص العلوية وإنزال سروال البيجامة برفق ولين ، طلبن مساعدة المرافق لرفع جذعه قليلاً..تبعه صوت مميز لانفكاك اللاصق ، ثم "خربشة" سريعة وصوت نزع غلاف .. لقد تم تبديل "الفوطة" بنجاح...
دخلت خادمة أفريقية بالماء الساخن والمناشف المعطرة ، مسحت وجه الزعيم وخلف أذنيه بالماء الساخن وبللت ما تبقى من شعره ، قامت المصففة بإكمال المهمة ، فردت الأمشاط والكريمات وهيئته تهيئة أولية لاستقبال معالجيه ، ثم غادرت، دخل طبيب وممرضان...أزاحوا رجليه الضعيفتين الثقيلتين كجذعين حرجيين قليلاً..همس الطبيب المعالج: سيدي لا بدّ من حقنة في الورك...ستساعدك على الصمود هذا اليوم أمامبرنامجك الطويل...مسح مكانها غرزها بهدوء ثم رفع السروال..سأعطيك حقنة ثانية على الجهة الأخرى..هذه ستظهرك بمظهر الواثق القوي كما أنها ستساعدك على رفع يدك اليمنى قليلاً..قام الممرضان بلف الزعيم..على جنبه الآخر وأعطي الحقنة الثانية...سأعطيك حقنة ثالثة سيدي هذه المرّة في ذراعك الأيمن..طقس اليوم وتقلباته غير مضمونة ونخشى عليك من انتكاسة صحية جديدة لا سمح الله...لقد أخبرت الدكتور فيكتور أن يعطيك حبة تحت اللسان إذا ما تسارع الخفقان أثناء المراسيم...معافى مولاي ...انحنى الطاقم الطبي للزعيم ثم خرجوا من الغرفة...
فوراً حضر فريق "لبّيسة" الزعيم..نزعوا الغلاف عن طقم جديد من الملابس الداخلية..رفعوا ذراعيه إلى أعلى كما لو يبدو مستسلماً تحت التهديد...نزعوا "الفانيلا" فانكشف جسده المترهل المتجعّد..البسوه أخرى جديدة..احضروا القميص ، احدهم أمسك يده الرخوة بشكل أفقي من الرسغ والثاني أدخل اليد في الكم...ثم اليد الأخرى بنفس الطريقة ..ثم شرعا بالتزرير...أنزله مساعدان عن حافة السرير وثبتاه واقفاً لحين إدخال ساقية المرتجفتين بحجلتي البنطال..هناك ارتجاف واهتزاز دائم ،دخلت الرجلُ الأولى بنجاح ، أوه..وهذه الثانية أيضا...ثم رفعا البنطال حتى الخصر ، رفع الآخر السحاب قام ثالث بإبعاد يدي الزعيم عن جنبيه لحين إدخال الزنار في عرى البنطال...قام رابع بهندمة القميص والبنطال جيداً وبعد ان انتهى..حضرت عربة عليها ربطات عنق مختلفة..اختارت "لبّيسة" الزعيم الأولى واحدة..ثم طلبت من مساعدها رفع رأسه إلى أعلى قليلاً ليتسنّى لفّها حول عنقه وشدّها..صحيح أنها تبدّو حبل مشنقة...لكن رقّة الأيادي الخادمة تبدد هذا الوهم من الرأس الثقيل المريض..قرّبوا كنبة فاخرة قرب سريره لينقلوه عليها عند إنهاء المهمّة...انحنى مساعدان لإلباسه الجوارب..ثم بالكاد أدخلوا فردتي الحذاء بالقدمين الباردتين..عادت المصففة وضعت اللمسات الأخيرة عل التسريحة وبعض المكياج لتخفي صفرة الوجه المريض...أومأت خبيرة الملابس الفرنسية لمسؤول التشريفات باكتمال هيبة الزعيم..
أمام كاميرات التلفزة العالمية ، يمضي مدفوعاً من الخلف على كرسي رئاسي فاخر متحرّك، يرفع يده بفضل الحقنة قليلاً بموازة صدره...يبتسم للجماهير بفضل الحقنة واعداً إياهم بحياة أفضل...ثم يضع ورقة مكتوبة مسبقاً في صندوق "تجديد الولاية"..
ويعود من جديد إلى السرير زعيماً...