الإخوان والخوّان في مقال الغرايبة
للمرة الاولى يحدث تصدع بهذا الحجم داخل جدران الجماعة الاخوانية ، التي نجحت طوال عقود في الحفاظ على كمية الاسمنت المانعة للتصدع والتسريب ، ولأول مرة ايضا تؤكد قيادات من الصف الاول ان الخلاف داخل جدران الجماعة ليس كما يحاول بعض الاسلامويين وإعلامهم تقزيمه الى الخلاف الاجرائي القابل للطَي ، فالخلاف كما قال الدكتور رحيل الغرايبة في مقاله امس على صفحات الدستور ، خلاف بنيوي يحمل طبائع ديمغرافية “ اسم الدلع للاقليمية “ وطبائع سياسية حول النهج السياسي والمنهج الفكري الذي يؤطر العمل السياسي ، فالمجتمع الجاهلي حسب تعبير الغرايبة في عقل الجماعة قائم وهذا يعني ان مواجهة الجاهلية المجتمعية تكون بطريقة سرية في البداية ثم علنية في مرحلة التمكين وما قبله ، وتُصبح التُقية التي تحدث عنها الغرايبة في مقاله جزءا من البناء السياسي داخل اسوار الجماعة وشكلا يؤطر السلوك السياسي خارج الجماعة ، فلا مانع من الاقتباس من الجاهليين او التحالف معهم على قاعدة فقه الواقع ، ثم الانقلاب عليهم وهذا اجراء شهدناه من الجماعة طوال عقود في النقابات المهنية وتنسيقية أحزاب المعارضة .
فصل أو خروج قيادات من الصف الأول في أي حزب وليس الجماعة الاخوانية فقط ، موجود ولا يحمل بالعادة ظلالا سوداء وسبق للجماعة ان فصلت قياديين كبارا ولم يحدث ضجيج كما هو الحال مع قيادات المبادرة الأردنية للبناء “ زمزم “ ، لأن أسباب الخروج او الفصل سابقا كانت لمخالفة أوامر الجماعة في المشاركة في الانتخابات البرلمانية في معظمها، وكل خارجٍ عن القرار الحزبي يتعرض لعقوبة كما هو الحال داخل الأحزاب ، وهذا ما افتقدته الجماعة في قرارها حيال زمزم ورموزها الثلاثة .
فالقرار جاء بعد تدخلات عاقلة ومحاولات جادة لامتصاص غضب القيادة الاخوانية ، التي اكد قرار زمزم انها مسلوبة لصالح تيار بعينه يرى في كل مبادرة اوابتكار مؤامرة على الجماعة ممثلة في شخصه ، وهي سمة الشخصيات السياسية التي تصل الى موقعها في غفلة من الزمن والحزب في آن واحد ، وهذا لُبّ الازمة مع جماعة زمزم الذين آثروا القاء حجر في المياه الراكدة سياسيا ، استجابة لأسئلة اللحظة الوطنية الراهنة ومخرجات الربيع العربي ، الذي كشف الحزب الاسلامي ليس الاسلام رغم كل المحاولات الحزبية وان الرداء السياسي واحد مهما تنوعت المنهجية الفكرية ، فلا ملائكة على الارض بل بشر يصلون بصناديق الاقتراع فيخفقون او ينجحون وتتكرر الحالة ، دون استخدام ادوات غير بشرية في الانتخابات فالكل مؤمن ولا تجريم وتخوين وتكفير ، فالسحيج في الاردن حسب المصطلح الاخواني لمن يؤيد السلطة هو ايضا السحيج في مصر الذي يؤيد سلطة مرسي ، فلماذا يكون المؤيد سحيجا في الاردن ومجاهدا في مصر وتونس وباقي اصقاع الوجود الاخواني وكذلك المعارض لاي موقف اخواني حتى لو كان معارضا للسلطة .
التعالي الاخواني عن المجتمع ليس جديدا ، ويعرفه من يراقب السلوك الاخواني في الحياة العامة ، ولكن الجديد انه تعالٍ مسنود بالايمان ضد الجاهلية وهو تعبير يَطال كل فرد ليس داخل الاخوان ، فمنذ التغيير الفكري الذي اجرته الجماعة بإنحيازها للقطبية “ سيد قطب “ على حساب تأسيس حسن البنا سلك الجماعة هذا النهج ، فالاخواني اعلى من غيره من الجاهليين ، وكل من يكسر حواجز التفكير المسموحة تنظيميا سيخرج من التنظيم ، والتنظيم هو قيادته الراشدة دوما حتى لو جاءت الى القيادة بغفلة او صفقة بين الخارج والداخل لاعتبارات ديمغرافية حسب تعبير الغرايبة .
قرار الجماعة بفصل مُبادري زمزم يكشف انها ماضية في قراءة اللحظة الوطنية بطريقة مغلوطة وانها مُستلبة لتيار لا يرى الا نفسه في المرآة ولا يسمع الا صوته وصدى صوته ، وسيدفع هذا السلوك عقلاء الجماعة وراشديها الى مزيد من الاحباط غير محمود العواقب على اللحظة الوطنية وعلى الجماعة الاخوانية التي يجب ان تعيد قراءة نهجها السياسي والفكري ، فما حدث لها مؤخرا في الاقليم العربي يحتاج الى اكثر من مراجعة بعد ان خسرت الجماعة الكثير .
omarkallab@yahoo.com