حكومة التوافق والمبادرة المنتظرة
هوا الأردن - محمد نجيب الشرافي
لم يمض اسبوع على تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية حتى اصدرت الحكومة الاسرائيلية قرارا بسحب بطاقات الـ vip التي بموجبها تسمح لأعضاء الحكومة والشخصيات القيادية سهولة الحركة بين المناطق الفلسطينية, ثم تبعه قرار من الجيش الاسرائيلي بمنع المسؤولين من الحركة خارج مدنهم. ولم يبق أمام الحكومة الاسرائيلية وجيشها سوى فرض الاقامة الجبرية على الوزراء الفلسطينيين في بيوتهم كأجراء انتقامي ردا على المصالحة الفلسطينية.!
ليس لدى السادة الوزراء فسحة من الوقت للتنزه وقضاء الوقت خارج مكاتبهم التي تفرض عليهم مواصلة الليل بالنهار, خاصة أنهم قبلوا تكليف السيد الرئيس تشكيل حكومة الاعباء الاكثر ثقلا منذ قيام السلطة الوطنية , وترجمة المصالحة الوطنية عملا وقولا, وخاصة تجاه قطاع غزة.
لا يمكن إدارة غزة والبدء في اعمارها وتحقيق المصالح الحيوية للناس عبر الفيديو كونفرس أو الهواتف الذكية. المصالحة تقتضي أن تكون حكومة الوحدة في غزة, وان تعقد اجتماعاتها الاولى في القطاع, استكمالا للعادة الحسنة التي درجت عليها الحكومة السابقة بعقد جلساتها كل اسبوع في إحدى مدن الضفة.
كيف يمكن تحقيق ذلك, والاحتلال الذي أصيب بمغص شديد يجهد نفسه في ابتكار أساليب وإجراءات عقابية وانتقامية؟ الوضع ينذر بمواجهة سياسية بين الحكومتين. غدا الثلاثاء ستعقد الحكومة برئاسة الدكتور رامي الحمد الله ثاني اجتماعاتها. فماذا سيكون ردها؟ وكيف؟
السكون وتجاهل اجراءات الاحتلال لم يعد مقبولا. البديل هو اتباع سياسة الهجوم والمبادرة بعقد اجتماع لسفراء وقناصل الدول المعتمدة في فلسطين لاطلاعهم على بشاعة الاحتلال الإسرائيلي ووحشيته لابلاغ حكوماتهم أن تلك الاجراءات لم تعد مفبولة, وتعكس نوايا طرف يبحث عن توتير المنطقة, ثم ابلاغ الدبلوماسيين الاجانب عزم الحكومة التوجه الى غزة.
أمام هذا القرار ستقف الحكومة الاسرائيلية عاجزة مرتبكة: فإما أن تغلق منافذ الضفة أمام اعضاء الحكومة ومرافقيهم الأجانب وإما أن تسمح لهم بالمرور. وفي كلتا الحالتين, الاغلاق أو المرور, فضيحة للاحتلال وانتصار فلسطيني. في المقابل فان الصمت عن اجراءات الاحتلال فضيحة ,ايضا , ولكن في الاتجاه المعاكس , على طريقة "غطيني يا مرة وارقعي بالصوت".
لن تجد الحكومة الاسرائيلية من يردعها, ولن تكترث كثيرا لقرار منع اعضاء الحكومة الفلسطينية من الحركة, مثلما لم تكترث لعذابات آلاف الأسرى في سجونها رغم اضرابهم عن الطعام للشهر الثاني على التوالي. إذا كان المواطن العادي مغلوب على أمره, لا يقو على شيئ إذا مُنع, وكذا المريض أيضا لا يستطيع الذهاب إلى المستشفى, لكن حكومة الشعب لا تعدم كيف ترتقي الى مستوى رفض القمع والارهاب الرسمي بإجراءات خلاقة. في ظني, أن قرارا واحدا من شأنه أن يعيد الاهتمام الدولي لعدالة قضيتنا في مواجهة وحشية ضاق العالم ذرعا من بشاعتها وفاق قدرته على تحمل تبعاتها.
وأظن جازما أننا بحاجة إلى مبادرات ترتقى الى مستوى مبادرة الاسرى في اضرابهم عن الطعام, ويقيني أن مثل هذا القرار الشجاع سيشد من أزر ابنائنا الاسرى ويلفت انظار العالم الى معاناتهم.
لسنا بحاجة الى وزراء بجرافات. نحن بحاجة إلى وزراء مقاتلين عن حقوق شعبهم بقرارات شجاعة , ومبادرات جريئة تتجاوز القول الى الفعل.
شعبكم في غزة ينتظركم بشوق. الاحتلال يريد ادامة التشرذم والانقسام ونحن نريد المصالحة سلوكا وليس شعارا. هذا حق لغزة التي عانت الأمرين. حق لغزة أن وأهلها أن يروا وزراءهم ويناقشوهم, وأن يستمعوا لخطط الحكومة بما تيسر لها من امكانيات للنهوض بحال اقترب من الكارثة الانسانية.