البوليفارد وأكل الهوا
بصفتي إبن حراث , سياسيا و اجتماعيا , أنفر من نموذج 'البوليفارد ' الذي يهدد البلد !
لا تعنيني أبراج فارهة تهدد نمط عمان المعماري التقليدي و المعروف عالميا المكون أساسا من الحجر الكلسي الأبيض و القرميد . هذه الأبراج التي يخطط لها أصحاب البزنس ليست نكرة فقط في شكلها الذي سيشكل شذوذا معماريا واضحا فحسب بل أنه بالأساس يستند الى عقلية تعادي النمط الإقتصادي الذي يناسب بيئتنا و ثقافتنا المعيشية الواجب مراعاتهما .
أشنع ما في فكرة الأبراج الشاهقة أنها تؤسس لوهم و لمقاييس مفتعلة في الرفاه المعيشي و انها تكرس القهر الاجتماعي حيث أنها تصبح مقياسا غير دقيق للتطور المعماري و الاقتصادي . الأشنع من ذلك أن أصحاب عقلية الأبراج معاديين للطبيعة غالبا و يفكرون بأرباحهم على حساب عراقة المكان و هويته و رمزيته .
أبراج ' البوليفادر ' في العبدلي قامت على أرض القيادة العامة للجيش العربي الأردني و هذا بحد ذاته كارثة معنوية لها دلالات خطيرة و لا أجد سببا لإختيار مكان أخر لها إذا كان لابد منها بالأساس , في أحد الإعتصامات إحتشدنا بضع عشرات أمام ركام القيادة العامة نطالب بالغاء المشروع و إستعادة الارض للجيش و كان يشاركنا الإعتصام بعض ضباط الأول من أيار الذي كانوا حينها يتذكرون بحسرة عدد درجات مدخل القياده في دلالات محزنة حقا !
' بوليفارد العبدلي ' لا يخدم اقتصاد البلد بشيء !
بالأساس لا يتناسب مع ثقافتنا المعماريه و سيصبح رمزا للتفاوت الطبقي الرهيب في الأردن حيث لن يدخل مطاعمه و مقاهية و فنادقه و مكاتبه الا أبناء ' الذوات ' من طبقة الفساد و أتباعها من جماعة البزنس أصاحب الأولويات الشخصية غير المعنين بأهل البلد و همومهم و اوجاعهم و ذكرياتهم .
يا الهي هدمنا البلد برمتها و بنينا بضعة ابراج .. هي أصلا ليست لنا !.
إقتصاد الأردن التقليدي و الواجب تطويره يستند بالأساس الى الزراعة التي تعاديها الحكومات من حيث أنها لا تحمي الاراضي الزراعية و لا تدعم المزارعين و الى الموارد الطبيعية مثل الفوسفات و البوتاس و الصخر الزيتي و النحاس و اليورانيوم و كلها بيعت بجرة قلم ما لم نقل تم الاستيلاء عليها تحت نهم عقلية البزنس التي , هي ذاتها , انتجت على نحو ما فكرة الابراج في عمان . و الى القطاع السياحي الذي مارس بلادته هو الاخر و لم يستفد من فرصة ذهبية بفضل تعطيل الوجهات السياحية العربية التقليدية في الاعوام الاربعة الماضية بالاضافة لقطاعات إقتصادية أخرى تشكل فرصة جديده و تحديا حقيقيا في مجالات الطاقة النظيفة . كل ما حدث من تنكيل منظم بمقدرات الدولة و ما تبعه من نتائج اجتماعية اكد الفرق بين مفهوم الاستثمار و ' البزنس ' الذي تستفيد منه جهات لا علاقة لها بالاردن و اهله .
إختصارا للموضوع , لا نمانع أكل الفراولة , كابناء حراثين , لكننا نريد أولا أن نشبع خبزا حافا و بندورة من قمح سهول بلادنا, فهل ذلك ممكنا أم أننا على موعد قريب مع ' أكل الهوا ' !