" أبو فرويد" الداعشي !
في سياق مداخلات ' فكرية ' و تصريحات مكثفة تضمنها شريط منسوب لبعض ' الدواعش ' المقيمين في اوروبا توصل احدهم و يطلق على نفسه ' ابو البراء الهندي ' الى إستنتاج خطير و غير مسبوق مفاده أن ' علاج الاكتئاب هو الجهاد ' !
قفز في بالي إسم مؤسس على النفس الحديث ' المرحوم ' سيجموند فرويد الذي لم يسعفه قدره ليعيش الى هذا الزمان الموبوء و المكتظ بنظريات كئيبة شبيهة بنظرية ابو البراء الهندي التي تلخص ' فكر ' جماعات تنمو يوميا و تتبنى ' ثقافة ' القتل و كره الحياة و استعداء الناس لمجرد أن قناعاتهم تختلف عن قناعات المخلوقات من شاكلة ابو البراء و صحبة الكرام !
ما الذي يدفع أي ' إنسان ' الى إدمان الدم و التلذذ بزهق أرواح الأخرين ؟!
ما الذي يدفع الإنسان الى كل هذا الحقد على الحياة ؟!
هكذا اسئلة لا يجب توجيهها الى الجماعات الإسلامية المتطرفة – فحسب - التي غالبا ما تضم جماعات غير عربية لا تفهم تفسير آية واحدة و لا تحفظ سورة الفاتحة بشكل صحيح لا بل حتى الى حكومات غربية إستعذبت قتل شعوب أخرى لنهب خيراتها و خياراتها .
' داعش ' و سواها من جماعات التكفير غامضة تماما في تمويلها و تسليحها , لكنها ليست كذلك بخصوص بيئتها و روافدها و منابعها البشرية التي أشار اليها على نحو ما تصريح المفكر الكبير ابو البراء , ف ' الاكتئاب ' الذي اشار اليه الرجل هو كلمة السر .
'الاكتئاب ' في عالمنا العربي عموما و الاردن خصوصا بات معروف الأسباب , تهميش تام – ما لم نقل استعداء فج – لكل أصحاب الرؤى الوطنية على اختلاف قناعاتهم الفكرية مقابل تصعيد لشخصيات ثانوية و مفتعلة بلا مواقف جدية , تراجع الدور الإجتماعي للدولة , تراكم لديون لا تنعكس أساسا على الشعوب التي يتم الأقتراض بإسمها , تمييع مدروس للهوية الوطنية المدنية أدى لصعود هويات فرعية أهمها الهويات الطائفية المستفيدة من بيئة الفقر و العوز , توريث المناصب , بيع الثروات الوطنية كما لو أنها ملك خاص . كل ذلك مآله الإكتئاب بالضرورة و الذي علاجة ' الجهاد ' بحسب قناعة الدواعش .
هكذا إذا نكتشف أن الحكومات التي مارست كل هذه الخطايا بحق شعوبها شريك أساسي و حليف إستراتيجي , على نحو واضح , لهذه الجماعات التي تعادي الحياة و تفخخ التفاؤل وتنسف الأمل فينا بحياة كريمة و تدفعنا ليس الى مقاومة كل التنكيل الذي تبنته الحكومات بحقنا عبر خيارات ' مدنية ' بل بالقتل و استعداء الحياة بحسب تفسير الدواعش .
الاجواء الداخلية في الاردن مهيأة تماما لفتح فرع لداعش في بلدنا سيما ان الناس يكبتون نقمتهم و يكدسون حقدهم على الواقع الذي نواجهه بفعل جملة الخطايا المرتكبة طيلة السنوات الماضية سيما أن الحكومات لا تقدم للناس حلولا و لا تتعاطى العفة في نهجها و تقنع نفسها بولائهم رغم التدهور الواضح بمستوى الحياة .
تركيبة المجتمع الاردني – اتحدث عن المواطنين الاردنيين تحديدا لا عن اللاجئين و الوافدين – و ثقافته تنفر من التطرف لا بل أنها واجهته بلا هوادة مطلع عشرينات القرن الماضي في عدة جولات .
التحالفات العشائرية في بلدنا حظيت بتركيبة دينية مختلطة بين المسيحيين و المسلمين معا من الأردنيين .
الى ما قبل سنوات الفساد المعلن كان المجتمع الأردني نموذجا في الإعتدال الديني و الاجتماعي بفضل الهامش الإقتصادي و الخدماتي المعقول الذي منع الناس من ' الإكتئاب ' إياه .
اليوم يمكن ببساطة ملاحظة التوتر و النزق و التعصب الشكلي - غالبا - من خلال طقوس الأفراح التي تشدد عزل النساء عن الرجال في ظاهرة لم تكن مألوفة قبل نحو عقد من الزمن مثلا .
لا بل يمكن ملاحظة ذلك أيضا في نظرة المجتمع للفتاة غير المنقبة بعد أن أصبح الحجاب غير كاف كمقياس للعفة عند قطاع متزايد من الناس في الوقت الذي يمكن العودة فيه لأرشيفنا من صور الستينات و السبعينات لنلحظ بسهولة صور التنانير القصيرة انذاك في الوقت الذي كان الناس فيه اقل تطرفا و أكثر حبا و احتراما لبعضهم ! , هكذا إذا نستنتج أن التعصب في الأردن ليس قناعة بل ' خيار ' و نتيجة , اي أنه رد فعل و ليس فعل .
لا يريد الناس مواجهة إستحقاقات الموقف الذين هم فيه اليوم مخافة دفع ثمن ذلك و لذا يلجؤون الى نوع أخر من الرفض غير المكلف و هو التطرف الديني الذي يتصاعد تدريجيا بالمقدار الذي تزداد حياتهم فيه إكتائبا و صول الى حد الإنفجار الذي تتكفل به الحكومة فعليا لا داعش وحدها بفضل تردي حال الدولة الذي عبر عنه – مثلا – هروب بعض المجرمين الصغار من دور الرعاية الاجتماعية ' بمساعدة ' موظفين رسميين و تطاول بعض أهالي طلبة التوجيهي على المراقبين بسبب التشدد في ضبط الإمتحان مؤخرا لأنهم اعتادوا طيلة سنوات على ' تهاون ' من قبل الدولة و اعتداء مجموعات منظمة على فريق مكافحة التسول , و حرائق شبه يومية مفتعلة في غابات عجلون ستقضي قريبا على ما بقي لنا من الاشجار دون اي ردع رسمي . ناهيك عن الخطايا الاخرى المعروفة .
ما يدهشك اليوم هو برود أعصاب ' الدولة ' الأردنية تجاه ما يحدث من حولنا , فكيف تفسر ذلك بغير أحد أمرين : الأول أن ' داعش ' ' معروف فيدها ' - بحسب التعبير الأردني - و لذا فأن حدود حركتها معروف مسبقا و بالتالي لا خوف منها بالنسبة للجهات الامنية الاردنية , أو أن الدولة بلا حس و بليدة و غير معنية بما سيحدث قريبا حينما تتحالف مذابح الفساد مع المذابح بأسم الدين ايضا !
حسنا , تكتمل المصيبة بخصوص' نظرية ' ابو البراء – بالباء و ليس بحرف أخر – حينما تعلم أن ' الجهاد ' الذي يقصده ذاك ' الهندي ' ليس لتحرير الأوطان المغتصبة بل لقتل مسلم اخر يختلف معك بالفرع لا الأصل أو مسيحي تهدر في عروقة دم العروبة التي يفترض أنها تهدر في عروقك !