الحكومه خجلانه تعترف
أكثر ما يزعج (المُرسِل) هو التطنيش الذي يمارسه (المُرسَل إليه) واعتقد كغيري من الكتّاب بأنه لا يضير الحكومة الإعتراف بالجهد الذي نبذله للإشارة الى خطأ أو إعوجاج في المسيرة، لطالما أن المقصود هو الإصلاح. ولقد كتبت كثيراً من المقالات من باب النقد لأداء الحكومة أو المسؤولين، لأن للمديح كتاب الدعسة السريعة، وانا لست منهم، ولكني أدّعي بأن للكتابة الموضوعية إيجابيات كثيرة يجب ان تشكل بوصلة للجهات التشريعية والتنفيذية، لأن مطبخ الرأي العام موجود بين الناس، والكتاب يفرغون نبض الشارع على الورق. حالة التطنيش هذه لها شواذ حيث تناهى إلى مسامعي بأن الحكومة قد صححت قراراً زعمنا في مقالة سابقة بعنوان (هل أخطأ مجلس الوزراء) أنه خطأ في موضوع إنشاء مدن صناعية جديدة حيث أستند قرار مجلس الوزراء الى توصية لجنة التنمية الإقتصادية في ظل إلغاء قانون مؤسسة المدن الصناعية رقم 59 لسنة 1085 وتعديلاته ونظام إنشاء المدن الصناعية الخاصة رقم 117 لسنة 2004 والذي إنتفى بإلغاءهما. وإن صح الخبر، فإننا قد قمنا بالحيلولة دون وقوع خطأ قانوني كان سيكون له الأثر السيء لو مر بدون إنتباه، ومع ذلك لم يصلنا أي شكر شفهي أو خطي، لا من الحكومة ولا ممن ارتكب الخطأ في شركة المدن الصناعية، على أساس القاعدة الشرعية (وإن بوليتم فاستتروا). كما أننا قمنا مراراً بالإشارة الى أن موضوع اللامركزية وانتقدنا توجه الحكومه الذي عرضه كل من وزير الداخلية (المجالي) ووزير البلديات (المصري) من خلال برنامج ستون دقيقة للحديث عن نظام اللامركزية، حيث خلصت اللجنة الوزارية المكلفة بدراسة الرغبة الملكية بالمضي قدما بمشروع اللامركزية لإصدار نظام الإدارة اللامركزية لمجالس المحافظات الصادر بمقتضى المادة 120 من الدستور، حيث قلنا أنها قفزة في المجهول، لأن الحكومة أرادت السيطرة على مجالس المحافظات من خلال المحافظ، وقد أدرك رؤساء البلديات هذا الفخ وأبدوا معارضتهم لمشروع قانون البلديات الذي فصّل ليتماشى مع نظام اللامركزية. هذا التخبط التشريعي ولي عنق القوانين والأنظمة يتم بهدف الإبقاء على هيكلية الإدارة الحالية للدولة والتي يبدوا انها لم تعد صالحة للإستهلاك الشعبي، وذلك لأن التنمية متوقفة في غالبية مناطق المملكة، إن لم يكن التدمير قبل بدء مع تهالك البنية التحتية التي انجزت في السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم. ويبدوا ان هناك بعض أصوات من العقلانية تحوم في فلك الحكومة، أو أن المعطيات الجديدة في المنطقة قد اوصلت صاحب القرار الى ان الوقت قد حان لتمرير جزئية إصلاحية جديدة قد تؤدي الى تقليل الفجوة الإقتصادية الكبيرة بين الأقلية الحاكمة وبين الشعب، فما الجديد فيما يتم تداولة حول موضوع اللامركزية وقانون الإنتخاب. قرئنا بأن الحكومة تعمل على إعداد مشروع (قانون) للامركزية، بمعنى انها تخلت عن فكرة (نظام اللامركزية) وهذا شيء إيجابي تجدر الإشادة به، ولكن هل سيتم إعداد مشروع هذا القانون بنفس العقلية السابقة أم أن المجال ما زال مفتوحاً أمام إحداث نقلة حقيقية في مسيرة الإصلاح، دعونا نرى. إن إعادة صياغة قانون البلديات ليشتمل على مجالس المحافظات هو خلط بين البلديات محدودة الرقعة الجغرافية وبين حدود المحافظة التي سيمثلها مجلس المحافظة، وعليه يجب أن يتم تقديم مشروع للأقاليم تكون فيه المحافظات والبلديات جزئية في هذا القانون، وتكون مجالس الأقاليم هي الوحدة الإدارية المعنية بتطبيق قانون اللامركزية، فلماذا نصر على موضوع الأقاليم الذي يثير حساسية البعض. السبب هو وجود ما يسمى بالمناطق التنموية التي تقع خارج حدود البلديات أو داخلها كما في عمّان، والتي فصُل لها قانون خاص يسلخها عن المناطق المحيطة بها، فكيف ستستفيد بلدية معان بوجود منطقة تنموية تقع على خاصرتها وتتمتع بجميع الحوافز الممكنة بينما تُحرم البلدية منها. فما هو دليلي على أن الحكومة تسير في الإتجاه الخاطيء وأن ما يشاع حول العمل على قانون للامركزية هو ذر للرماد في العيون. إن الحكومة قد دفعت بقانون الإستثمار للغرفة التشريعية، وقد أقره مجلس النواب مع الإبقاء على الفصل التنموي بين مناطق المملكة، فقد تم إستثناء منطقة العقبة الخاصة من القانون، وتم الإبقاء على مساحات نفوذ للمناطق التنموية بمعزل عن البلديات. أني اتوجه الى دولة رئيس مجلس الأعيان، الدكتور عبد الرؤوف الروابدة وهو من الرعيل الأول ومن الخبراء في التخطيط التنموي الى قيادة تحرك أعياني يتم فيه رفض قانون الإستثمار بالصيغة التي أقرها مجلس النواب، فما السبب في دعوتي لذلك وما البديل المطروح عوضاً عن ذلك. السبب في الرفض هو فصل البلديات عن المناطق التنموية، بما يفقدها الدافع الذي يجعل منها بؤر للتنمية تعمل على تحسين الخدمات وتوفير فرص العمل في محيطها. والبديل المطروح هو حل المناطق التنموية واعتبار حدود المحافظة أو الإقليم هي المساحة التي يتم عليها منح الحوافز الإستثمارية، وهو نظام كان متبعا في الاردن حيث قسمت المملكة الى ثلاث مناطق استثمارية (أ، ب، ج) وتغطي كامل مساحة البلد بدلا من ان تجعلها كبقع كجلد النمر، تختلف فيها الصلاحيات وينعدم فيها التواصل الإقليمي. إن ذلك ممكنا من خلال إستراتيجية عمرانية وطنية، تكون أرضية يطبق عليها قانون واحد يسمى (قانون الحكم المحلي) يضم فيه جميع الجوانب البلدية والاستثمارية والإنتخابية، وبذلك يمكن الاستغناء عن قانون الإسنثمار وعن المناطق التنموية والخاصة، لأن الأصل أن يكون الأردن بمجمله منطقة تنموية، يراعى فيها استراتيجية للنقل والمرور والصحة والتعليم والتنمية البشرية على قدم وساق. إن هذا التوجه هو ثورة بيضاء في مجال الإصلاح، ولا نريد أن نبالغ بالقول بأن هذا التغيير هو بمثابة طوق النجاة للاردن، لأن الممارسة العملية لأفكار الفريق السياسي والاقتصادي للبلد قد دفعت بالاردن الى مراتب متأخرة جدا في مجال الحريات الاعلامية، ورفعت الدين العام الى قرابة 80% من الناتج المحلي الاجمالي، والى عدم رضى شعبي واضح، فهل القائمين على ما تم إنجازه من تدمير، قادرين على إنتشال البلد مما هي فيه الآن ... أشك كثيراً بذلك؟