انهيار دفاعات الرئيس
خلال اجتماع مجلس الوزراء يوم الاثنين الماضي، عبّر رئيس الحكومة د. عبدالله النسور، عن غضبه من تسريب تفاصيل جلسة يوم الأحد السابق، والمتعلقة بصفقة شراء حصة نجيب ميقاتي في "الملكية الأردنية".
الرئيس عبّر عن انزعاجه بصراحة لمجلس الوزراء، مبديا عدم رضاه عن نشر معلومات يعتقد النسور بضرورة عدم نشرها، على الأقل في الوقت الراهن. وقد وصل عدم رضا الرئيس حدّ حديثه عن إجراء تحقيق لكشف من قام بتسريب المعلومات.
فيما يتعلق برئيس الوزراء، تكشف الفكرة انهيار آخر دفاعاته داخل فريقه، وعدم قدرة هذا الأخير على حفظ الأسرار. وهذا طبيعي بعد سنة ونصف السنة من الوجود في "الدوار الرابع". من ناحية أخرى، تؤكد الحادثة أن الإعلام استطاع تحقيق الاختراق المطلوب للحصول على المعلومات، وتحديدا حين يتعلق الأمر بقضية مهمة مثل "الملكية الأردنية" ومستقبلها.
من حق الرئيس أن ينزعج، ومن حقه أيضا أن يعاتب فريقه على تسريب المعلومات؛ فلو كان الأمر طبيعيا ومقبولا ولا يشكل اختراقا، لما وُصف بالتسريبات. لكنه في نهاية اليوم أمر عادي، على الأقل من وجهة نظر الإعلاميين الذين يكابدون من أجل الحصول على المعلومات، والتي يسعى وزير الإعلام، بقدر ما تسمح به الظروف، إلى توفيرها في كثير من الملفات، مثل الأزمة في العراق، وإعلان "الخلافة"، وغيرهما.
ثمة وجه آخر للقصة، يتعلق بالجدلية الأزلية المرتبطة بعلاقة الحكومات بالإعلام. فهذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تتمكن فيها الصحافة من اختراق بوابات الرؤساء عبر وزرائهم وكوادرهم. وثمة قصص كثيرة يمكن سردها في هذا الباب، لرؤساء وزراء كثر تعرضوا للموقف ذاته خلال العقد الماضي.
السيطرة على المعلومة لم تعد ممكنة، خصوصا في القضايا الحساسة التي يلزم التعامل معها بشفافية مطلقة، من دون السعي إلى إخفاء الحقائق، لاسيما أن هذا النهج والأسلوب كانت لهما نتائج كارثية في الماضي؛ إذ ولّدا انطباعا لدى الرأي العام بأن غياب الشفافية يخفي خلفه بالضرورة خللا أو تجاوزا ما، قد لا يكونان موجودين فعلاً.
الشفافية والإفصاح هما كلمة السر. ولو أنهما توفرتا، لتجنب البلد العديد من الصفقات المشبوهة التي انتهت إلى المحاكم كملفات فساد، وما يزال الأردنيون يعددونها عند الحديث عن الاختلالات.
بالعودة إلى ملف ميقاتي، لا يبدو أن في القصة خللا؛ فالحكومة كانت تفكّر في شراء حصة في "الملكية" بأعلى من قيمتها السوقية بحوالي 6 ملايين دينار، ولم يكن الأمر سرا. فقيمة الصفقة المقدرة بحوالي 16 مليون دينار، تفوق القيمة السوقية للحصة والمقدرة بنحو 9.8 مليون دينار.
لكن الخلل الكبير تمثل في أن الحكومة لم تتحدث، ولو مرة واحدة، شارحة مبررات الخطوة للرأي العام، على الأقل لاستمزاج الموقف بشأنها؛ فأموال الخزينة، في نهاية الأمر، ليست ملكا للحكومة، بل هي أموال دافعي الضرائب الذين لهم حق معرفة مصيرها وقنوات إنفاقها، وهذا أقل احترام يمكن أن تعبّر عنه الحكومة للمجتمع.
ما حدث هو أن الحكومة فكرت وقررت بشأن شراء حصة ميقاتي، ويبدو أنها اليوم أجّلت الصفقة؛ ودائما من دون أن نعرف أسباب كل هذه التطورات، ومن دون أن نسمع من الوزراء المعنيين، لاسيما "المالية" و"النقل"، كلمة واحدة.