حماية الشباب من التطرف
بات من الواضح تنامي نزعة التطرف في المجتمع الأردني بشكل عام، ولدى الشباب بشكل خاص، في السنوات الماضية. هذه الظاهرة ليست وليدة الساعة، بل إن إرهاصاتها تعود لسنوات عدّة. وكانت بعض الدراسات قد نبهت إليها، ولكنها لم تحظ بالاهتمام الكافي في حينه. ولكن ظاهرة التطرف أصبحت في تزايد بات يشكل مصدر تهديد للسلم والاستقرار الاجتماعي، وإذا لم يتم التنبه إليه، فقد يأخذ أبعاداً سياسية أيضاً.
يعيش الشباب الأردني، شأنه شأن غيره من الشباب في العالم العربي، ضمن ظروف صعبة ومعقدة، أبرز معالمها حالة من الاغتراب الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي.
مصادر الاغتراب لدى الشباب كثيرة، منها التهميش الاقتصادي بسبب الفقر والبطالة، وتراجع الفرص المعيشية، وحالة من الاغتراب السياسي، سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي. ولا يقل أهمية عما ذكر حالة الاغتراب الاجتماعي عن الأسرة والقيم والخطاب الاجتماعي التقليدي.
بداية، يجب أن نعترف، دولة ومجتمعاً، بأننا فشلنا في الاعتراف بهموم الشباب وتطلعاتهم، ولم نستمع لهم بما فيه الكفاية، سواء على صعيد الأسر أو المؤسسات التعليمية أو الأطر السياسية. لقد حاولنا أن نصنع منهم نسخاً كربونية عنا، وعندما فشلنا اتهمناهم بأنهم لا يكترثون بالفكر والسياسة والقضايا القومية والأممية، وأن جلّ اهتمامهم هو الرياضة والموسيقى وغيرها، أو فقدنا التواصل معهم.
حالة الاغتراب التي يعيشها الشباب تعود لسلوكيات عدة، منها الانسحاب وعدم المشاركة، وتعاطي الكحول والمخدرات، واللجوء للعنف والجريمة والتطرف.
يأخذ التطرف الاجتماعي أشكالاً وأبعاداً متنوعة، جهوية وفكرية وسياسية ودينية. والمشترك بين كل أشكال التطرف هو التعصب الأعمى، وعدم قبول الآخر، ومحاولة إلغائه والتعامل معه بعنف، وهو ما يشكل خطورة كبيرة على العلاقات بين أفراد وجماعات المجتمع، وبين المجتمع ومؤسسات الدولة. ولا يوجد مصدر واحد أو وعاء فكري أو سياسي أو ديني واحد للتطرف، ولكن كل الأيديولوجيات والأطر الفكرية والدينية يمكن أن تُستغل من ذوي المصالح لذلك، والضحية دوماً هم الشباب.
لأسباب مفهومة ومبررة، فقد كان الاهتمام موجهاً نحو احتواء التطرف السياسي، ولكننا لم نهتم بمصادر التعصب والتطرف الاجتماعي الذي يتجلى بمظاهر العنف والجريمة التي بدأنا نلاحظها بشكل متكرر في الفترة الماضية. إن خطورة التطرف والتعصب الاجتماعي هو أنه قد يتحول في اللحظة المناسبة إلى عنف سياسي، ولكن محاربة التطرف واحتواءه مهمة ليست فقط لاحتمالات تحوله إلى عنف سياسي، بل أيضاً لخطورته -بحد ذاته- على المجتمع والسلم الأهلي.
لا يولد الناس متطرفين أو معتدلين، ولكنهم يصبحون كذلك. والعوامل التي تؤدي للتطرف متنوعة ومتشعبة، ولكن ليس من الصعب الإحاطة بها.
لم يعد من الممكن السكوت أو التغاضي عن تزايد مظاهر التطرف والتشدد في المجتمع الأردني، وبخاصة لدى الشباب. لقد باتت الحاجة مُلحة للوقوف على أسباب وأشكال هذه الظاهرة، ووضع الحلول لمعالجتها. والمسؤولية لا تقع على عاتق الأسرة ومؤسساتها فقط، بل إنها مسؤولية الأسر ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والمؤسسات التربوية أيضاً. ولكن الدولة يجب أن تقود هذه العملية من حيث الوقوف على أسبابها، وسُبل علاجها، وتحديد مسؤوليات كافة الأطراف في معالجتها.