420 حاجّاً خارج سياق العدالة
ما الذي يجعل الدولة تُنشِيء صندوقاً للحج..!؟ الأصل في هذا الصندوق أن يجمع مالاً لتمكين الفقراء من أداء فريضة الحج، فيحقّق لهم مبدأ الاستطاعة (وعلى الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً..) أما أن يكون الهدف هو خدمة الأغنياء والمقتدرين وتمكينهم من أداء فريضة الحج على حساب غيرهم، فهذا يدخل في باب التمييز، ويخرق مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، لأن المعيار الأساس في الاختيار هو السن، وللمدّخرين في الصندوق استثناء من هذا المعيار، فيصبح الأساس هو كمية المال المدّخر..! أقول هذا الكلام للمرة الثالثة، والذي دفعني إليه هو تصريحات وزير الأوقاف الأخيرة حول كوتا الحج للعام الحالي، والموزعة على النحو التالي: 10% للمدخرين في صندوق الحج(420 حاجّاً)، و80% وفق معيار السن، و10% يتم اختيارهم بالقرعة من الأعمار الأقل(السنوات العشر السابقة على السن المحدّدة).. وإذا كنّا نتفق على المعيارين الثاني والثالث وأنهما لا يتعارضان مع مبدأ العدالة، فإننا نختلف تماماً على المعيار الأول، على كوتا صندوق الحج، لأنها تنطوي على تمييز واضح بين الناس في عبادة وركن من أركان الإسلام.. وإذا كان الله لا يميّز بين عباده إلاّ على أساس التقوى، أفنُميّز نحن على أساس المال..!!؟ قد لا يُفهم الموضوع في سياق المال وحده، ولكن لنفهمه في سياق الرغبة في الإدّخار لدى صندوق الحج، فأنا لديّ المال ولديّ الاستطاعة بكل مكوّناتها على الحج لكنني لا أرغب في الادخار لدى صندوق الحج، فلماذا يأخذ المدّخر حصتي ودوري وحصة غيري في الحج..!!؟ معايير الحج والاختيار فيه لا تقوم على أسس عادلة لدينا، واختراقات مبدأ العدالة كثيرة، وكلنا نسكت عليها، ولا أحد يريد أن يتحدث ويشير إليها مع أننا نتحدّث عن عبادة، ونتلو صباح مساء آيات العدل، فكيف نتحدث عن عبادة في ظل أشكال الافتئات على الحق وشبهات الظلم وخرق العدالة بين الخلق..!!؟ وحتى لا أُتّهم بالمبالغة أو التنظير، أضرب على ذلك أمثالاً منها بعثات الحج الكثيرة ما بين بعثات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وبعثات أمانة عمان، وتأشيرات الحج الخاصة بالوزراء والنواب والديوان الملكي، وتأشيرات السفارة السعودية، وتأشيرات الضيافة القادمة من وراء الحدود وغيرها الكثير من الاستثناءات على العدالة والمعايير.. التي جعلتنا نرى شباباً يحجّون فيما هناك كهول ما زالوا ينتظرون وبعضهم أدركه الأجل ولم يُمكّن من الحج رغم استطاعته، فأي عدالة نتحدّث عنها بعد ذلك..؟!! أدعو إلى مراجعة أسلوب تعاطينا مع الحج، وأن تُعتمد معايير واضحة وعادلة للجميع، وتُلغى كل أشكال التمييز بين الناس في هذا الشأن بما في ذلك صندوق الحج بشكله الحالي، كما يجب أن تُلغى كل بعثات الحج باستثناء بعثة الأوقاف التي تقوم على رعاية الحجاج وخدمتهم متضمنة البعثة الطبية فقط، كما لا بد من التنسيق مع السلطات السعودية والسفارة لإلغاء كل أنواع التأشيرات الأخرى، وأن تُحصر جميعها بوزارة الأوقاف وترتيباتها، بحيث تدخل أي تأشيرات إضافية ضمن الكوتا المخصصة للأردن، لتمكين أكبر عدد ممكن من الراغبين بالحج من أداء هذا الركن. أما صندوق الحج فيمكن إعادة هيكلة فكرته بالكامل، بحيث إما أن تُحصر فيه كل أمور الحج بلا استثناء، فلا يكون هناك حج خارج إطاره ويُتاح فيه الادخار للجميع وضمن قدراتهم وعلى أساس معايير واضحة وعادلة للجميع، وإما أن يخصص هذا الصندوق لجزئية محددة وهدف محدد هو تمكين الفقراء الراغبين بالحج من أداء هذه الفريضة وضمن معايير الحج العامة الواضحة، ويكون تمويله عبر تلقّي مساعدات من الأغنياء والميسورين وضمن فقه الاستطاعة.. استطاعة الفرد والمجتمع، وهي ما تُسمى بالاستطاعة المجتمعية التكافلية.. Subaihi_99@yahoo.com