أين القرار السياسي؟!
يكشف تقرير الزميل تيسير نعيمات (المنشور في "الغد" يوم أمس)، عن أسس القبول الجامعي 2014-2015، التي أقرّها مجلس التعليم العالي مؤخّراً، عن عدم وجود أي تعديلات جوهرية على هذه الأسس، بل تغييرات طفيفة، لا تعكس بأيّ حالٍ من الأحوال أيّ اهتمام أو اكتراث بالتوصيات والمخرجات التي تقدّمت بها لجان أكاديمية وفنية تمّ تشكيلها، خلال الأعوام الماضية، لدراسة أسباب تردّي التعليم العالي، وانتشار العنف الجامعي ووصوله إلى مدىً خطر ومقلق!
بقيت، إذن، الاستثناءات تتغوّل على التنافس العادل الذي يقتصر حالياً، فقط، على نسبة 30 % تقريباً، بينما 70 % على أسس "الكوتات" والاستثناءات والمكرمات. ويحيل مصدر (طلب عدم الكشف عن اسمه في تقرير الزميل النعيمات) سبب عدم القيام بأيّ تعديلات جوهرية، بالرغم من كل تلك التوصيات التي أجمعت على حجم الاختلال الكبير في سياسات القبول الجامعي، إلى "عدم وجود قرار سياسي" بهذا الصدد.
المصدر المذكور محق؛ فالمسألة تتطلب قراراً من أعلى المستويات. لكنه يضع هذا السؤال برسم الإجابة من قبل رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي وكبار المسؤولين في "مطبخ القرار"؛ وهو: لماذا لم يكن هناك قرار سياسي واضح لإحداث نقطة التحول المركزية، ووقف مسار التدهور الراهن؟!
للتذكير فقط، انتهت أغلب الدراسات والتقييمات والتوصيات، للخلوات واللجان والخبراء المعروفين في قطاع التعليم العالي، إلى تحميل سياسة التوسع في الاستثناءات و"الكوتات" مسؤولية مباشرة وأساسية عن المشكلات والأزمات التي أصبح يعاني منها التعليم الجامعي؛ لما أدت إليه من عواقب وخيمة، سواء بالإخلال بقيمة المساواة في فرص التنافس العادل بين الطلبة، أو بمستوى التخصصات وطبيعتها، أو الزج بأعداد كبيرة من الطلبة فوق طاقة الجامعات الاستيعابية، أو عدم دراسة التخصصات ومجالاتها وعلاقتها بسوق العمل!
بالنتيجة، إقرار هذه التعليمات بمثابة رسالة واضحة بعدم وجود رغبة حقيقية وجادّة في التغيير، والاستمرار في المسلسل الراهن الكارثي للتعليم العالي من دون وجود إرادة شجاعة لأصحاب القرار والمسؤولين بوقف ذلك واتخاذ مواقف جريئة وجوهرية، ومن دون أن يشعر هؤلاء المسؤولون من المستويات كافة بأمانة المسؤولية وهم يرون هذا الانهيار، ويشاهدون كيف أن دولاً خليجية بدأت توقف المنح والاعتراف بالشهادات الجامعية الأردنية، بعد الملاحم والمعارك الجامعية المشهودة، ومع انهيار مستوى التعليم والتدريس، وعجز الموازنات الجامعية!
الجواب المعروف الذي سيُسِرّ به المسؤولون في تبرير هذا العجز والفشل، هو "الحقوق المكتسبة". وهذه الجملة كذبة كبيرة، ضحكنا بها على أنفسنا، وأصبحت السيمفونية التي يعزفها "التيار المتكلّس" إزاء السياسات الخاطئة، سواء عندما نتحدث عن قانون الانتخاب والخروج من الصوت الواحد، أو الانتهاكات التي تحدث في امتحان الثانوية العامة أو بشأن المياه. ولذلك، بقيت توصيات اللجان المختلفة "حبراً على ورق"!
ما قام به وزيرا التربية والتعليم والمياه، هو بمثابة دليل دامغ وحاسم على أنّ التغيير ممكن، بل وضروري؛ وأنّ سيادة القانون وهيبة الدولة تتمثّلان في مواجهة هذه الآفة؛ "الحقوق المكتسبة"، والعودة إلى الأسس العادلة والموضوعية، واختيار طريق الإصلاح العام، وعدم السكوت على التجاوزات والاستثناءات والاختلالات بذرائع واهية وغير مقنعة.
لا نطالب بإنهاء "الكوتات" أو الاستثناءات بصورة كاملة وفورية. لكن يمكن تحقيق ذلك بالتدريج، للعودة إلى الحالة الطبيعية السابقة على "طفرة الاستثناءات" التي حدثت في الأعوام الماضية، وصولاً إلى إيجاد بدائل مقنعة ومنطقية عنها في المستقبل!