جيل التحرير أم جيل التدمير
كتبت مقالتين عن حكام العرب ، والمنظمات العربية والإسلامية أثناء اجتياح إسرائيل لمدينة غزة ، وهو حدث هز الشعوب العربية والإسلامية صغيرها وكبيرها ، وبعض شعوب العالم التي عانت من جبروت الظلم ، وطغيان الحكام ، وانحياز هيئة الأمم المتحدة ، ومجلس الأمن الذي تسيطر عليه الدول الدائمة العضوية ، والتي تفصل القرارات بما يتناسب مع مصالحها ، ومصالح حلفائها .
وقد تابعت هذين المقالين على مدار أسبوع ، وقد وجدت أن المطلعين على كل واحد منهما لم يتجاوز خمسين شخصا ، وقد استغربت هذا ، وغضبت ، لا من اجل نفسي ، ولا رغبة في مزيد من المطلعين ، فقراءتها وعدمه سيان ، فأنا أكتب للتاريخ قبل أن أكتب للقراءة ، ولا أتاجر بفكري لا ماديا ، ولا معنويا ، وقد كان سبب غضبي أنني ، وبدافع المعرفة والفضول معا ، قد أحصيت إطلاع رواد الفيس بوك عل بعض الموضوعات الأخرى فكان الفرق شاسعا ، والعدد أكبر بكثير ، فمثلا كان المطلعون على بعض أخبار كأس العالم أكثر من ألف ، والمطلعون على أخبار مشجعات كأس العالم أكثر من ألف وخمسمائة ، والمطلعون على أخبار الفن أكثر من خمسمائة .
وحتى لا تشخصن القضية ، دعك من هذا ، ولنقل : ما نسبة الشباب الذين فتحوا القرآن وقرأوا فيه أيام مباريات كأس العالم ؟! ما نسبة الناس الذين فضلوا زيارة الأرحام أو المرضى على حضور مباراة ؟! كم عدد الشباب الذين زهدوا الصلاة في المسجد أو اجلوا الصلاة إلى ما بعد المباراة ؟! كم عدد الموظفين الذين تغيبوا عن الدوام بإجازات أو بدونها بحجة المباريات؟! وكم عدد الذين تمردوا على آبائهم أو أمهاتهم ، ولم يقضوهم حاجة لانشغالهم بمتابعة كأس العالم ؟! طبعا الله وحده أعلم ، لكنهم كثر .
نضرب صفحا عن هذا ، ونقول لا بأس ، ولكن ماذا بعد كأس العالم الذي لا ناقة لنا به ولا جمل ، فإلى أين سيعودون ؟! لا أظن أن حالهم سيتغير ، فستعود مباريات برشلونة ومدريد ، وستمتلئ المقاهي من جديد ، فليس لدينا أراض مسلوبة !! ولا ثروات منهوبة !! ولا هوية مشطوبة !! أهذه اهتماماتنا؟! أهذه حياتنا ؟! أهذه ثقافتنا ؟! ، وإلى متى يا جيل الحاضر المذبوح ؟! إلى متى يا جيل الغد المسفوح ؟! إلى متى يا جيل أمل التغيير والتحرير ؟! " فمن قلة إهدانا ، صار صيفنا إشتانا " فالتعويل عليكم والأمل " كالراجي من الزنبور العسل ".
إن الأهم من هذا كله ، وبعد عشرة أيام من حملة كلاب صهيون المسعورة ، على غزة هاشم المغدورة ، ماذا فعل حكام العرب ، عجبا والله كل العجب ، فكم منهم استنكر وشجب ؟! ومن منهم تناول القلم وكتب ؟! ومن منهم تألم لمشاهد الرعب وتناثر الأشلاء؟! ومن منهم واسى جريحا أو قدم الدواء ؟! ومن منهم سير المؤن والمساعدات ؟! ومن منهم أقام المستشفيات ، بدل القصور والملاهي والبارات ؟! ومن منهم رد لهفة الحرائر والماجدات ؟! يتسابقون في تكديس الملايين ، وقرع كؤوس الشاربين ، ومراقصة المخنثين ، وصواريخ أبناء القردة تدك أحياء المؤمنين الصابرين ، وحرائر الأمة تصرخ بين الردم والقتل والأنين ، قبحكم الله يا من تتاجرون بالمجاهدين والمسحوقين والمساكين ، لعنكم الله يا من نسيتم القادسية وبلاط الشهداء وحطين ، تبا لكم يا من صدقتم أبناء البغايا ونسيتم الدين ، سحقا لكم يا عبدة المناصب والعروش ، يا من تخفون في أزياء الرئاسة أجساد الوحوش ، تقيمون عروشكم على جثث الشهداء والجثامين ، تطربكم رذائل الفنانين والمغنين ، وتتبلد عروقكم وأجسادكم المنتنة ولا تتحرك لصرخات الألم والأنين ، عقود وراء عقود ، وأنتم لا تحسنون إلا تقبيل أيادي أسيادكم والسجود ، عقود وراء عقود وما فهمتم أن " المناصب التي لا تليق كالحبلى المتعسرة تجلب الضيق " ، قبحا لكم ولحياتكم ، قبحا لكم ولمناصبكم ، لا ننتظر منكم شيئا ، وأملنا فيكم سراب ، كما قلنا لمعاشر الشباب ، شباب ضائع ، وحاكم راكع ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .