عين على الشارع الأردني
في الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لم تتجاوز ردود الفعل في الشارع الروتين المعتاد لتحركات قوى المعارضة ونشطاء العمل السياسي؛ مظاهرة محدودة قبالة السفارة الإسرائيلية، مسيرة من المسجد الحسيني بعد صلاة الجمعة، وهكذا على نفس المنوال في مواقع أخرى.
الجمعة الماضية فقط خرجت بضع مسيرات حاشدة في عدد قليل من المخيمات. لكن تطورات الأحداث يمكن أن تكسر الروتين.
مشاعر الغضب تتراكم في صدور الناس مع الأخبار المتواترة عن مجازر جديدة في غزة. صور الأطفال الذين مزقت القذائف الإسرائيلية أجسادهم، تحاصر الناس في بيوتهم، ويكاد المرء يختنق وهو يتصفح المشاهد القادمة من غزة.
يشعر الأردنيون على الدوام بأنهم الأقرب لفلسطين وشعبها من بقية الشعوب العربية. هذا شعور طبيعي تسنده الوقائع القائمة بين الشعبين، وخصوصية العلاقة التاريخية المستمرة. ليس الأردنيون من أصل فلسطيني هم فقط من يتفجر غضبا من المجازر الإسرائيلية، بل سائر الأردنيين.
استمرار العدوان وتصاعد النزعة الوحشية الإسرائيلية، وارتكاب مزيد من المجازر، سترفع من وتيرة الحراك في الشارع الأردني، وربما تُضيّق الفجوة شيئا فشيئا بين القوى السياسية التي فرقتها أحداث سورية ومصر.
حصل مثل هذا الوضع في مواقع أخرى. خذوا مثلا الإعلام المحسوب على حزب الله وإيران في لبنان؛ فقد تجاوز الخلافات مع حركة حماس، واصطف إلى جانب المقاومة في معركتها مع إسرائيل.
المنحى الذي اتخذته ثورات "الربيع العربي" كان كفيلا بإحباط الحراك السياسي في الشارع الأردني؛ إذ لم تعد هناك قضية أو فكرة واحدة يجتمع حولها خمسة متظاهرين في الشارع. في موضوع الصراع مع إسرائيل يبدو الأمر مختلفا؛ فما من قضية يمكن أن يتوحد حولها الناس في الأردن أكثر من العداء لإسرائيل.
نحن الآن في منتصف أسبوع شهدت أيامه الأولى مجازر مروعة بحق أهل غزة. وسيكون لها تداعيات في الشارع خلال الأيام المقبلة.
جانب كبير من تحرك الشارع الأردني سيتجه للضغط على الحكومة الأردنية، لحملها على اتخاذ مواقف أكثر قوة تجاه إسرائيل. وستتعالى الأصوات الداعية إلى طرد السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات مع تل أبيب، وغيرها من المطالب التي لا يبدو الأردن مستعدا لقبولها. وثمة مخاوف أيضا من وقوع صدامات بين المتظاهرين ورجال الأمن، أشد من تلك التي حصلت في منطقة الرابية قبل أسبوع.
سيناريو محتمل يذكر بأحداث مشابهة وقعت من قبل، وأدت إلى رفع منسوب التوتر في البلاد إلى مستويات قياسية.
لهذه الاعتبارات كلها، فإن الأردن صاحب مصلحة رئيسة في وضع حد فوري للعدوان على غزة، لتجنب دفع الكلفة من رصيد الاستقرار الداخلي الذي هو في أمسّ الحاجة إليه وسط جبهات ملتهبة من كل الاتجاهات.
لقد تحركت الدبلوماسية الأردنية في الأيام القليلة الماضية بشكل أفضل مما كانت عليه الحال في الأيام الأولى للعدوان، لكنها ما تزال مطالبة بانخراط أكبر في جهود البحث عن تسوية منصفة للجانب الفلسطيني.