عامل وطن
هوا الأردن - سليمان أبو شلذم
عامل الوطن الذي سأتكلم عنه ليس أردنيا ولا يحمل رقما وطنيا وليس له أي انتماء عشائري أو سياسي أو عقائدي. هو مجرد عامل بسيط من الشقيقة مصر.
قدم إلى الأردن في عام 1986وعمره ثمانية عشرة وتصادف أن بلدية اربد في تلك الأيام احتاجت لتوظيف بعض العمال كعمال وطن فكان عبد الله ( وهذا اسمه) احد المتقدمين لتلك الوظيفة وأوكلت لعبد الله مهمة الاهتمام بتنظيف جزء من الحي الشمالي في اربد وهو واحد من أكثر الأحياء اكتظاظا بالسكان في اربد والمملكة عامة.
ومنذ ذلك اليوم لم يتغيب عبد الله عن عمله ابدأ إلا في حالات الإجازة السنوية التي يذهب فيها إلى بلده لرؤية أهلة. عبد الله لم يكن متزوجا واليوم أصبح له عائلة لم يترك عملة ولم يغادر إلى أي حي آخر رغم أن عدد سكان الحي قد تضاعف مرات ومرات إلا أن عبد الله ما زال يعمل بنفس الإخلاص والجد فقد أصبح بينه وبين أهل الحي صداقة غريبة فالكل في الحي يعرف عبد الله والكل يحترمه بل هم يحترمونه أكثر مما يحترمون بعضهم البعض. ويعرفونه أكثر من رئيس بلدية اربد .
عبد الله لم يترقى أو يحصل على منصب أثناء عمله ولم يطالب من حقوقه بغير الراتب الذي يحصل عليه. لم يتذمر ولم يشكو ولم يعتصم أو يخرج في مسيرة مطالبا بزيادة في الراتب أو ترقية في المنصب أو حتى تغيير عربته القديمة .
عبد الله لا زال يستريح في ظل البنايات وعلى رصيف الشوارع ويقبل القليل من الأعطيات من أهل الحي في الأعياد والمناسبات ولكنه أيضا ما يزال مخلصا في عمله كما كان دوما.
تغير رؤساء البلديات والمسئولون عن عبد الله عشرات المرات منذ 1986 ولكن عبد الله لم يتغير . لقد أولوه ثقة يستحقها بل ربما أنهم يحسدونه عليها. فهو لا يزال صابرا ولا يزال يعمل بنفس الجد والإخلاص . بعض المسئولون في بلدية اربد ممن يصدرون لعبد الله الأوامر كان طفلا يوم تم توظيف عبد الله في عمله. عبد الله له الفضل علينا جميعا ولكن أبدا لم يشعرنا بفضلة.هو دائم الابتسامة والصبر.
واليوم وفي مشهد غريب رأيت احد المواطنين الكرام يصرخ على عبد الله ويلومه على تكدس النفايات أمام بيته. ليس عبد الله من يجب أن يلام على تكدس النفايات بل نحن ورئيس البلدية ووزير البلديات ورئيس الوزراء الذين جعلوا همهم مناصبهم ونسو صحتنا ونسو أو تناسوا مسؤولياتهم وواجباتهم تجاه الوطن. كل ما يذكرونه هو التفكير في كيفية سن القوانين وتحصيل الضرائب .
ليس لنا الحق في الصراخ على عبد الله أو أي من عمال الوطن بل يجب أن نمجد أمثال هذا العامل ونجعل لهم تماثيل في مياديننا.يجب أن نصرخ ونحتج على عشرات الموظفين الذين تتكدس بهم قاعات البلديات ولا عمل لكثير منهم إلا التدخين والتذمر والتفنن في اخذ الإجازات المرضية وغير المرضية .
عذرا عبد الله وكل عمال الوطن فنحن نحتاج إلى تنظيف نفوسنا.