"لو كنت إكوادوريّاً"
ليس غريباً أن نقرأ على مواقع التواصل الاجتماعي، ونسمع في صدى الشارع المحلي، بل والعربي، تغزّلاً بموقف حكومة الإكوادور (ربما أغلب الناس لا يعرفون شيئاً عن هذا البلد، سوى ما أنجزه منتخبها الكروي في كأس العالم الأخيرة) من العدوان الإسرائيلي على غزة؛ إذ قامت باستدعاء سفيرها في إسرائيل احتجاجاً على ما تقوم به الأخيرة!
مصدر الإعجاب الشعبي الأردني بموقف إكوادور، يعكس في جوهره خيبة الأمل الكبيرة من الموقف الرسمي العربي عموماً، والأردني خصوصاً. وإذا كانت السياسات العربية ليست مفاجئة، مع تسجيل أنّها تصبح مع مرور الوقت أكثر سوءاً وانكشافاً، إلاّ أنّ الموقف الرسمي الأردني المتواضع تماماً هو المفاجئ للشارع، الذي توقّع درجة حساسية أكبر لدى الحكومة، لكنّها للأسف مفقودة تماماً تجاه الملفات كافّة؛ محلياً وعربياً!
قد تصف الحكومة موقفها بالواقعية السياسية، وتتذرّع بما يمكن أن تقدمه إنسانياً ودبلوماسياً للأشقّاء الغزّيين، وهو "عذر أقبح من ذنب"؛ إذ لا يوجد حدث يستدعي موقفاً سياسياً واضحاً وحازماً أكثر مما يحدث من مجازر في غزة بحق الأطفال والنساء والمدنيين؛ ولا يمكن التغطية على القصور السياسي والدبلوماسي وهذا الموقف الواهن الضعيف المهزوز، بدور إنساني مهما كان نبيلاً ومقدّراً!
حتى عبارات الشجب والإدانة والاستنكار التي قرأناها في الصحف، جاءت خجولة سطحية باردة، أقرب إلى رفع العتب، لا تعطي أي إشارة أو رسالة حقيقية تجاه ما يحدث من فظائع؛ بل ولم يكلّف السيد رئيس الوزراء نفسه بأن يقدم أي خطاب أو رسالة إلى أهل غزّة، يعزّيهم فيها، ويعرب فيها عن تعاطفه المعنوي في الحدّ الأدنى.
ليس فقط أن الحكومة تخلت عن أوراقها الديبلوماسية للضغط على إسرائيل لوقف العدوان، ولم تقدم على أقل ما يمكن القيام به من استدعاء سفيرنا (مثل الإكوادور مثلاً!)، أو طرد السفير الإسرائيلي، بل تجاهلت تماماً صورتها أمام شعبها والرأي العام الوطني، فقدّمت نموذجاً مثالياً على أسوأ رسالة سياسية وإعلامية ممكنة!
أُذكّر رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، بأنّ هذا الموقف السلبي غير المفهوم في سجّله التاريخي، يضاف إلى موقف متخاذل أكثر في قضية الشهيد القاضي رائد زعيتر؛ إذ لم نسمع كلمة واحدة عن نتائج التحقيق (المزعوم!)، فضلاً عن أنّ الحكومة لم تتخذ أي موقف يلامس أقل التوقعات الشعبية الإيجابية تجاهها!
بالعودة إلى "ذريعة" الواقعية السياسية، فمن باب أولى أن تأخذ هذه الواقعية بالحسبان النتائج المدمّرة لمثل هذه المواقف الرسمية البائسة المتواضعة على الدولة وعلاقتها بالشارع، وما يمكن أن يعززه ذلك من قناعات أو صور سلبية، حتى على صعيد الرأي العام المحلي عندما يقارن موقف حكومة مثل الإكوادور، التي لا تمت لنا بصلات قومية أو دينية، ولا حتى جغرافية، وليس نصف شعبها من أصول فلسطينية، فيما النصف الآخر مسكون بالهم العروبي والإسلامي، كما لا تعدّ القضية الفلسطينية بمثابة شأن محلي في عاصمتهم هناك، ولا تخرج فيها مخيمات اللاجئين والمحافظات احتجاجاً واحتقاناً ضد العدوان، ولا تجد ملايين المصلّين فيها يدعون على العدوان وعلى من يتواطأون معه!
كان يمكن معالجة القصور الدبلوماسي بخطاب سياسي وإعلامي محترم، يلامس الوجدان الشعبي، كما يفعل رئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوغان (الذي يحبه المسؤولون العرب كثيراً!)؛ إذ لم يعلن الحرب على إسرائيل، ولم يقم بخطوات حاسمة ضدها، لكنّه روى شيئاً من غليل الشعوب العربية والمسلمة في كلمتين نسيهما كثيرون، هما "الكرامة" و"الشرف"!