البدائل أمام اليهود
هل وصلت القضية الفلسطينة إلى طريق مسدود يستوجب البحث عن حلول غير تقليدية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، ومن بمقدوره طرح حل سحري بعد محاولات دامت أكثر من ستين سنة تمت خلالها تجربة الكفاح المسلح وإنتفاضة الحجارة ومعاهدة السلام والمقاومة بالصواريخ والأنفاق، فهل هناك من طرق لم يجربها الشعب الفلسطيني. هناك وجهتي نظر في قضية الصراع العربي- الإسرائيلي، الأولى فلسطينية والتي تتلخص في أن اليهود قد أقاموا دولتهم عام 1948 على أرض فلسطينية، ولم يكتفوا بذلك بل بسطوا سيطرتهم على كامل مساحة فلسطين التاريخية، والثانية، يهودية قائمة على أن فكرة أرض الميعاد (إرتس يسرائيل- من الفرات الى النيل) ولديهم إستراتيجية تقضي بتفريغ الأرض من أهلها وتثبيت أسس الكيان على أنها دولة يهودية، فهل اليهود قومية أم ديانة. اليهود هم بشر، إعتنقوا الدين اليهودي، وتشبثوا به لدرجة كبيرة جداً جعلت منهم الفئة الوحيدة في الجزيرة العربية التي لم تعلن إسلامها، على خلاف كثير من المسيحيين، مما حذى بالمسلمين الى عقد أكثر من (صلح) معهم وهي بالمعني الحديث إتفاقيات سلام تنظم علاقتهم بالغير في إطار الدولة الإسلامية. واستمر ذلك اينما حلوا، بحيث أصبح من السهل التعرف عليهم بطريقة لباسهم وممارسة طقوسهم الخاصة. إصرار اليهود على عزلتهم، وعيشهم في مستوطنات (جيتو) جعل منهم شعب بطقوس دينية وحياتية خاصة بحيث تحولوا الى قومية لها لغتها الخاصة ومعتقداتها وطقوسها، والأهم من ذلك إيمانهم بأرض الميعاد على أساس انها جيتو خاص بهم، فهل يعني هذا تفريغ هذا الجيتو من أي قومية أخرى. لقد أصبح واضحاً للعيان بأن اليهود يعملون وفق إستراتيجية تؤدي الى دولة الجيتو اليهودية، وأنهم لا يقبلون بقومية أخرى، وما مباحثاتهم وإتفاقياتهم مع جيرانهم إلا كسباً للوقت لفرض حقائق على الأرض يصعب تغيرها، فهل على الفلسطينيين والعرب القبول بذلك. لن أضيف شيئاً جديداً عندما أقول بأن اليهود كانوا فعلاً في فلسطين، ولكنهم كانوا شعب في مناطق محددة منها كما هو الحال في خيبر وتيماء ويثرب (المدينة المنورة) وفي اليمن والعراق وفي بلاد الشام، كما أن العرب كانوا هم الأكثرية في هذه المناطق، فهل احتفظ اليهود بخصوصيتم (الدينية) مقابل تشرذم العرب في ملل وطوائف دينية. الجواب على هذا السؤال هو الذي يحدد جوهر الصراع الدائر في فلسطين، فهل الصراع ديني أو سياسي؟ لا يضيرنا التذكير بأول ردة فعل فلسطينية تجاه قيام دولة إسرائيل، وهي بلورة كيان سياسي لتمثيل هذا الشعب وهو منظمة التحرير الفلسطينة التي تأسست في العام 1964 والتي استطاعت ان تكسب الإعتراف الدولي كحركة تحرر وطني، لإقامة الدولة الفلسطينية، ولم تكن الدولة المنشودة (دينية) لأنها أخذت بالحسبان الأهمية الكبيرة للمسيحيين الفلسطينيين وولادة المسيح عليه السلام فيها، ولأن الإتحاد السوفياتي والقوميين العرب شكلوا العصب الأساسي للمنظمة وهم علمانيون. بهذا أصبح لدينا كيان سياسي يمثل وجهة النظر الأولى (الفلسطينية) وهي م. ت. ف وميثاقها الوطني علماني، والفريق الثاني (إسرائيلي) يسعى لإقامة دولة دينية يهودية. إن الإنقسام الذي حصل بين الشعب الفلسطيني هو إختلاف سياسي في الظاهر، ولكنة عقائدي في المضمون، ودليلنا على ذلك هي المرجعية النظرية التي يتكيء عليها كل طرف، فالعلمانيين الفلسطينيين (فتح والشعبية والديمقراطية والشيوعيين) يدعون لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 ويعترفون بدولة يهودية مجاورة، بينما تدعو حماس والجهاد الإسلامي الى تحرير كامل التراب الفلسطيني على اساس أن الحرب مع اليهود هي قضية دينية، فما السند النظري الذي يعزز وجهة النظر هذه. مرجعنا نحن المسلمين، هو القرآن الكريم والذي اتي كثيراً على ذكر اليهود، ففي الآية 82 من سورة المائدة: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ. صدق الله العظيم. إن الموقف الإسلامي من اليهود هو عدائي، لا بل وجودي، بمعنى وجوب مقاتلتهم ولهم الخيار أن يتركوا دينهم ويعلنوا إسلامهم أو دفع الجزية، وإلا يتوجب قتلهم، فما هو التطبيق العملي لهذا الموقف. أنه يعني إعتبار القضية الفلسطينية هي أداة للوصول الى أحد البدائل الثلاثة المذكورة وجميعها تستوجب هزيمتهم على الارض، ولكن ماذا لو أن اليهود أقاموا دولتهم في استراليا مثلاً، فهل كان المسلمون سيلحقون بهم الى هناك... سؤال يجعل من الإجابة عليه فهم تداخل السياسي مع الديني. إن مجريات الأحداث في المنطقة تكرّس إنقسام المجتمع العربي عقائدياً بين فريقين، الأول (علماني) والثاني (ديني) وقد بدأت المواجهة بين الفريقين في العراق وانتقلت الى مصر وسورية واليمن، ولن يكون الأردن بمعزل عما يجري في محيطه لصغر مساحته وقلة عدد سكانه، ولكونه يمتلك أطول واجهة حدودية مع العدو السياسي والديني للعرب والمسلمين، فهل يتقدم الصراع الديني على السياسي أم العكس. نلاحظ أن التيار الإسلامي يتعامل مع القضية الفلسطينية كقضية سياسية، ولكنه يحشد همم الجماهير من خلال الخطاب الديني لأنه صاحب إستراتيجية تسعى لتطبيق الموقف الديني من اليهود (الإذعان أو القتل) بينما يتعامل معها العلمانيون (ومن ضمنهم رؤساء الدول العربية) كقضية سياسية تقف عند إنتزاع الحقوق الفلسطينية من إسرائيل ولا تقترب من حقهم في الوجود كشعب يهودي. لقد بات واضحاً ان اليهود يتمترسون خلف الدولة العبرية ذات القومية/ الدينية اليهودية، وهم مستعدين لإفناء الطرف الآخر لمعرفتهم باستراتيجيته العرب المعلنه تجاههم وهي: أولاً: عرض العلمانيين وهو التنازل عن حلم أرض الميعاد عن طريق القبول بقرار تقسيم فلسطين (وبالمناسبة كان الاتحاد السوفيتي والعلمانيون العرب من خلفه أول القابلين بقرار التقسيم على اساس انه افضل الحلول السيئة، ويا ليت العرب قبلوا بذلك). ثانياً: حرب الحركات الاسلامية للوصول مع اليهود الى أحد البدائل الثلاثة (الاسلام أو الجزية أو القتل). اليهود حائرين ما بين سلام العلمانيين وحرب الاسلاميين، وإن إختاروا رفض الأثنين معاً فقد حكموا على انفسهم بالفناء وعلى دولتهم بالزوال قبل العام 2050 على أبعد تقدير. ودليلي على ذلك في أن حرب غزة 2014 قد قلبت الموازيين، وادخلت الرعب في نفوس اليهود الذي يحمل ثلثهم جنسيات دول أخرى معتادون على رغد العيش ولن تحميهم الجدران الاسمنتية ولا القبة الحديدة من سخط محيط عربي ملتهب بات شرارة يسقط في حدائق الجيتو المسوّر.