اللواء غولاني
أبرزت الدعاية الإسرائيلية بصورة مكثفة، خلال الأيام الماضية، لواء المشاة في الجيش الإسرائيلي "غولاني"، الذي يعد من قوات النخبة التقليدية في الجيش الإسرائيلي، وعادة ما يسمى "اللواء رقم (1)". وعلى الرغم من الخسائر البشرية التي مني بها هذا اللواء في حرب غزة، فقد ارتبط هذا الإغراق الدعائي بالعملية العسكرية الوحشية التي نفذها اللواء في حي الشجاعية، وعدت مجزرة بشعة بكل المعاني؛ كما ارتبط بإصابة قائده من أصول عربية العقيد غسان عليان، أثناء القتال، وعودته لقيادة جنوده مرة أخرى بعد مغادرته المستشفى مباشرة.
لعل هذه حالة تستحق التوقف، لفهم الطريقة التي توظف بها الدعاية الإسرائيلية على المستويات الثلاثة: الموجهة للداخل الإسرائيلي، والموجهة للعرب، والأخرى الموجهة للعالم؛ وكيف تستفيد هذه الدعاية من الأحداث والظروف الإقليمية والدولية.
فالإغراق الدعائي بشأن اللواء "غولاني" لم يقصد إبراز وحشية هذه الوحدات العسكرية؛ إذ إن المدنيين الفلسطينيين في جنين وغزة وغيرهما يعرفون ذلك تماما. كما لم يكن القصد تغطية الخسائر المعترف بها لهذا اللواء، والتي بلغت يوم السبت الماضي 14 قتيلا في عملية واحدة، إضافة إلى أسر جندي. بل يأتي هذا الإغراق الدعائي في أجواء الحديث الذي لم يتوقف عن انهيارات الجيوش العربية وهشاشتها؛ إذ لا تنهار تلك الجيوش وحسب، بل وتتلاشى عقيدتها القتالية وتتحول إلى ذبح شعوبها أحيانا، ما يوجه رسالة قوية للعالم عن مكانة الجيش الإسرائيلي وقوته.
أما الرسالة الأخطر، فهي في قدرة الدولة اليهودية على إدماج الأعراق الأخرى؛ إذ تقدم رمزية "غسان عليان" وشجاعته التي سوقت على مدى الأيام الماضية، دلالات مهمة، حاولت إبراز قيمة المواطنة في المجتمع الإسرائيلي، مقابل أطروحة العنصرية؛ ثم إبراز أطروحة محاربة الإرهاب التي يشارك فيها حتى العرب، مقابل أطروحة المقاومة.
من المنظور الاستراتيجي، استطاعت المقاومة إيقاع ألم بليغ في صفوف الجيش الإسرائيلي، جراء إقدام الأخير على العملية البرية. وقد نال لواء "غولاني" النصيب الأكبر إثر عملية الشجاعية، ما دفع نحو حملة دعائية شاركت فيها مؤسسات رسمية ومدنية ونشطاء على شبكة الإنترنت؛ إذ قام فنانون إسرائيليون بإعادة تسجيل نشيد "غولاني" (غولاني شيلي) وتداوله من جديد، كما استعادت وسائل الإعلام الاسرائيلية تاريخ هذا اللواء وحروبه التي خاضها منذ نشأته الأولى في العام 1948 مرورا بمشاركته في حروب 1956 و1967 و1973، وحروب لبنان، كما حروب إسرائيل داخل المدن الفلسطينية.
الصورة التي حاولت استعادتها الدعاية الإسرائيلية، هي أن لواء "غولاني"؛ صاحب الإرث القتالي الكبير والمتمرد، والذي طالما وُصف بالوحشية، تحديدا مع الفلسطينيين، وحتى بالبذاءة في اللغة اليومية بين ضباطه وجنوده، يجب أن يصمد في معركة غزة. فهذه الوحدات القتالية الصعبة المراس، والتي تتلقى أقسى تدريب في مركز تدريب يسمى "قرية الجحيم"، ويسير جنودها 75 كيلومترا على الأقدام، يجب أن لا يُشاهد جنوده وهم يتساقطون ويؤسرون.
في العام 1973، كانت الكتيبة 13 من لواء "غولاني" على الجبهة مع كتيبتين من مشاة الجيش الإسرائيلي. وكانت تقديرات القيادة الإسرائيلية أن هذه الكتائب لن تصمد أمام الهجوم السوري، وطُلب منها بالأوامر العسكرية إخلاء مواقعها. وقد استجابت كتيبتا المشاة، فيما بقيت كتيبة "غولاني" وقاتلت. وفي العام 1999، رفض جنود كتيبتين من لواء "غولاني" الأوامر العسكرية بالاستدعاء، وبقوا في منازلهم؛ ما شكل صدمة للمجتمع الإسرائيلي، وفضيحة لقوات النخبة. السؤال اليوم: هل خشيت القيادات الإسرائيلية أن يفعلها جنود "غولاني" ويهربوا، كما فعلت جيوش عربية؟!