معركة الحدود مع "داعش"
تفاجأ الجيش اللبناني المتواضع عدة وعتادا، بهجوم الجماعات المتطرفة؛ "داعش" و"النصرة"، على عرسال، والاقتحام المباغت لحدود لبنان مع سورية، فخسر العشرات من جنوده بين قتيل وجريح ومفقود، وسارع إلى الطلب من فرنسا إمداده بالسلاح لمواجهة المجموعات المسلحة التي انتشرت في العمق اللبناني.
على الجبهة الشمالية في العراق، حدث اختراق كبير تمثل في سيطرة مقاتلي "داعش" على مناطق حيوية كانت قوات البشمركة الكردية تمسك زمامها. وبعد معارك طاحنة، طلبت البشمركة المساعدة من أميركا أيضا لاستعادة سنجار وما حولها من أيدي الإرهابيين.
لقد بدا واضحا سعي الجماعات المتطرفة في العراق وسورية إلى فرض سيطرتها على المناطق الحدودية. فقد أحكمت "داعش" قبضتها على الحدود العراقية-السورية، كما حققت حضورا في المناطق القريبة من الحدود مع الأردن. وفي سورية، ها هي تخوض معركة الحدود مع لبنان. وإذا لم يتمكن الجيش اللبناني من الوقوف على قدميه بدعم من مقاتلي حزب الله، فإن الجماعات المتطرفة ستحسم المواجهة لصالحها، وقد تتمكن من التقدم أكثر داخل الأراضي اللبنانية.
على الحدود مع تركيا، تناور الفصائل المسلحة لفرض سيطرتها؛ تكسب جولة وتخسر أخرى، لكنها لن تتخلى عن هدفها النهائي، وإن كانت لا تنوي التوغل في الأراضي التركية، كونها خارج دائرة حدود دولة الخلافة التي أعلنها البغدادي، في المرحلة الحالية على الأقل.
معركة حدود إذن تخوضها الجماعات المتطرفة، ولم يبق سوى الحد السوري مع الأردن. المعارك على هذا المحور تتركز حاليا داخل المدن والبلدات الحدودية، ولم تحسم بعد؛ حيث تتقاسم قوات النظام السيطرة عليها مع مقاتلي "داعش" و"النصرة" وجماعات أخرى أقل شأنا وقوة.
لكن في نهاية المطاف، سنكون أمام معركة حدود تتعدى أهدافها السيطرة على المعابر إلى ما هو أبعد من ذلك، كما هو واضح في الحالة اللبنانية.
ستعد الجماعات المتطرفة للألف قبل أن تفكر في اجتياز الحدود الأردنية. حاولت جس النبض أكثر من مرة، وتلقت ردودا صارمة. الناشطون على المناطق الحدودية من منتسبي التنظيمات المتطرفة يعلمون أن الجيش الأردني ليس كحال الجيش اللبناني مع الاحترام، وليس "البشمركة" بكل تأكيد.
لكن مع الثقة الكاملة بقدرة القوات المسلحة وأجهزة الدولة الاستخبارية، فإن من الخطأ التهوين من حجم التحدي المحتمل في المستقبل القريب.
إن الانتصارات التي تحققها الجماعات المتطرفة في العراق وسورية، وتآكل قدرة خصومها على ردعها، تمنح مقاتليها المتطرفين جرعة كبيرة من الثقة بالنفس، مدعومة بخطاب عقائدي يؤثر الموت على الحياة، فيتحول الفرد منهم إلى قنبلة معدة للانفجار.
وسط حالة الارتباك والفوضى في صفوف القوى المناهضة للمتطرفين، لا يمكن توقع نهاية قريبة لموجة الظلامية التي تضرب المنطقة. لقد فرضت هذه الجماعات طابعا شموليا على معركتها، وينبغي على القوى والدول المعنية بهزيمتها أن توحد صفوفها أيضا، وترفع مستوى التنسيق فيما بينها.
لقد أصبحت هذه الجماعات خطرا حقيقيا يهدد بقاء الدول والمجتمعات، وما من وسيلة لدحرها إلا بتجاوز المصالح الضيقة والآنية، وبناء أوسع تحالف إقليمي ودولي ممكن لمواجهتها. بخلاف ذلك، فإن عرسال لن تكون سوى محطة جديدة من محطات النصر لداعش وأخواتها من الجماعات المتطرفة.