دواعش في جامعاتنا
كنت قد وضعت بوست على الفيسبوك منذ أشهر يُظهِر قتل مجموعة من داعش لسائقي شاحنات في العراق لإخفاقهم في إمتحان شفهي حول عدد ركعات صلاة الفجر والفشل في تلاوة الآذان كاملاً، وكان القرار سريعا بالحكم على السائقين (النصيريين) بالموت رميا بالرصاص على قارعة الطريق. هذا ليس غريباً على هذا التنظيم العقائدي، ولكن الغريب هو ردة فعل بعض (الأصدقاء) وليت مارك تسكربيرج مؤسس الفيسبوك يعيد النظر بالتسمية وأقترح عليه إسم (مَعرِفة ( Known بدلاً من صديق Friend، فكيف كانت ردة فعل الناس هذه على الفيديو. قسم كبير أقدره بالربع أدان هذا الفيديو من قلب ورب، والنصف تقريباً شاهد وصَمتَ ربما (مكافاة شر) والربع المتبقي لم يدين هذا الفعل الشنيع، لا بل أن أحدهم قد علق على البوست بقوله، ما الدليل على أن هذا الفيديو غير مفبرك ومدسوس للنيل من الإسلام والمسلمين. هذا (الأحدهم) هو أستاذ جامعي في الطريق للحصول على لقب بروفيسور في الهندسة، وقد تقلد منصب عميد كلية أكثر من مرة وكان (وما يزال) يستغل سطوة الدكتور على الطلبة في التأثير بقناعاتهم في التصرفات والملبس. أساتذة آخرون زاملتهم كانوا يخصصون قسما من المحاضرة للترويج لتيار نقابي معين وتوزيع بطاقاته الإنتخابية في القاعات والمراسم. ربما يسأل البعض، الا يوجد هناك تناقض في هذا الطرح وانت ايها الكاتب ممن يدعون الى الديمقراطية والانتساب الى الأحزاب، فإن لم تكن الجامعات ساحة للتدرب على الحياة الحزبية، فأين هي تلك الساحات يا هذا؟ أنا ... الهذا، يجيب بالقول بأني لم اعترض على ممارسة النشاط السياسي في الجامعات الاردنية، ولكني مع وضع ضوابط على طريقة إختيار أعضاء الهيئة التدريسية، لأنهم الأخطر والأكثر قدره على التأثير على الطلبة بحكم العمل والخبرة والصلاحية في منح (ناجح) أو (راسب) والعلامة التي تؤثر على مسيرة الطلبة الأكاديمية، والمهنية لاحقاً. صحيح أن الساسة في الأردن قد استعملوا كل الأسلحة الممكنة لإضعاف الطرف الآخر، فكانت النتيجة فتح الباب على مصراعيه في الخمسينات والستينات للقوميين كأساتذه في المدارس، وللإسلاميين في السبعينات بعد مواجهتهم مع نظام حافظ الأسد، ولكن من الواضح بأن البذار التي زرعت قد نمت وأصبحت أشجار منها المثمرة طيبة المذاق، ومنها السيئة التي نشرب سُمها عشية وضحاها. معركتنا في المنطقة حقيقية وقد نبه منها العلماء مِنّا، وقد أصبحت داعش تسيطر على مساحات شاسعة من بلاد الشام، وتنسج خيوطها في المجتمات العربية بذكاء، كما انها تشتغل سياسة وعلم إجتماع كما نجحت في التحالف مع كبرى العشائر في العراق، فما معنى (المعركة الحقيقية) للمواطن الأردني. هذا يعني للمسيحيين (إعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتل) كما يعني للمسلمين تغيير نمط حياتهم بشكل جذري تفرض فية العبادات بفوهة البندقية من حجاب وصلاة وصوم وتعدد الزوجات وملك اليمين وتحريم عمل المرأة والغناء والرقص والمشروب. قد أختلف وأنا المسلم مع من يمارسون الرذيلة في المجتمع، وقد تكون أفكار داعش اقرب لي منهم في هذه القضية بالذات، ولكني لا استطيع أن أضع نفسي حكماً لاحرر بحق الناس عقوبات أقلها الجلد أو الرجم أو قطع اليد أو القتل. وفي المقابل تجد من الأردنيين من يتماهي مع أفكار داعش بدعوى انهم يطبقون الإسلام ولديهم سند شرعي في كل ما يفعلون، وسرعان ما يستيقض الداعشي فيهم كلما رأى تجمعاً لشباب يحتفلون بنجاحهم أو أهل يرقصون بفرح أبنائهم. الأردن ... هذه الدولة الصغيرة بمساحتها، والكبيرة بإنسانها، قد نجحت في خلق نموذج للتعايش بين الناس ولا اظن دولة أخرى على هذه الأرض كانت سنتجح كما فعلنا، فقد استوعبت البلد الفلسطينيين بعد النكبة والنكسة واصبحوا فيها مواطنين أصلاء، ورحبت بالعراقيين والسوريين والمصريين في ظل منظومة إجتماعية متوازنة، فمن شاء منكم أن يسهر فلديه المسجد أو النادي، والحكم بيننا هي القوانين الوضعية العصرية، وليست تفسيرات مربوطة بأحداث سلفية كان لها ظروفها الموضوعية، فهل التداوي ببول الأبل صالح في وقتنا هذا. لست هنا لأضع إستراتيجية للتعامل مع وضع التنظيم الجديد الذي يقف على حدودنا، وله لدى كثير مِنا معزبين معلنين أو مخفيين، لدرجة أن أكبر تنظيم إسلامي مرخص في الأرض رفض إدانة داعش علانية. ما أستطيع قوله هو أن الخطر أصبح بيننا ويعتلي منابرنا وفي المدارس والجامعات، وهو تنظيم لا يقبل المشاركة ولا النقاش، فالخيارات المطروحة من قبلهم هي (الإذعان أو التعزير أو القتل) في زمن ينشغل فيه العالم المتحضر بالإستنساخ وصناعة الأعضاء البشرية والبحث عن الحياة في كواكب أخرى، فنحن طُلاب حياة ومن شاء فليعمل لعمارة الأرض ومن شاء فليرحل بهدوء، فهذا الأردن لينا ... وحقة علينا.