الاخوان المسلمين و"الاعلام المراهق
بعد، لم يفهم البعض، بأن سياسة الهجوم الاعلامي غير المبرر، ضد الاخوان المسلمين، تخدم الجماعة اكثر مما 'تزعجهم' والسبب.. ان التقارير والـ'خطابات' الاعلامية الموجهة ضدهم - عادة - تصدر من بعض الوسائل الاعلامية التي لم يعد موثوق بها اصلا ..وثانيا فان تلك المعارك الدونكيشوتية المصطنعة لا تتعدى كونها 'بالونات اعلامية' غير مقنعة بشكل علمي سليم، عدا انه لا مبرر لها من الاساس، اذا ما اتفقنا ان 'الحركة الاسلامية' مكون اساسي في الحياة السياسية الاردنية..!
'الطخ' على الاخوان المسلمين والحركة الاسلامية عموما صار 'موضة' لكتبة اعتادوا بث رسائل لـ'نيل الرضا' من دوائر صنع قرار ما، اعتقد انها غير مكترثة بهم وكتاباتهم اصلا، وباتت تلك الكتابات تفهم بشكل مباشر ، وتصنف في قواميس 'النخب الثقافية النظيفة' بانها 'رسائل غزل' قد 'تثمر في وقت ما' (!) لا أقل ولا أكثر، ولا تعدو كونها 'مراهقة اعلامية' ، ابعادها ومالاتها غير معلومة للذي كتبها اصلا.
الحكمة تقول، ان السياسة الاردنية ظلت طيلة عقود من الزمن، تعي حجم ومكانة الاخوان المسلمين في الساحة السياسية الاردنية، وأبقت على خيوط التواصل موصولة غير مقطوعة، في وقت كانت فيه العلاقة بين جماعة الاخوان ودوائر صنع القرار في الدولة الاردنية، في حالات مد وجزر، الا ان مساحات من 'الاحترام' بين الطرفين، بقيت ولا زالت، رغم خلافات جوهرية في التوجه السياسي لهذا وذاك.
رغم عواصف 'الربيع العربي العاتية' يسجل لـ'اخوان الاردن' انهم لم يحاولوا استثمار 'الرياح المواتية' في تلك المرحلة، لاحداث 'تصدعات' في جسم الدولة الاردنية، و'استثمار المرحلة' بشكل قد يغير الصورة النمطية النظيفة لتعامل الجماعة سياسيا - داخليا.
كذلك لم تحوّل دوائر صنع القرار في الدولة حينها، سلطاتها، الى 'ماكينة قمع' وترهيب، للاخوان وللحركات الاسلامية وباقي الحراكات السياسية والشعبية التي كانت تعتصم على مدار الساعة في شوارع المملكة، بل اعتمدت على سياسة 'الاحتواء' ، واستطاعت ان تخرج الاردن كله من عنق زجاجة، في وقت كان يلوح في افاقه حينها سحبا ملبدة ، شبيهة بالسحب التي امطرت على عواصم ومدن عربية، فوضى وخراب ودمار، ما يمكن القول ان (حكمة الفرقاء) غلبّت 'مصلحة الاردن'، على مصلحة اي شيء وكل شيء اخر.
للاردن خصوصياته السياسية والاجتماعية والجغرافية الخ، التي تحول بشكل مطلق من مواجهة سيناريوهات شبيهة بالتي حدثت في دول عربية مجاورة وغير مجاورة، كما ان للمواطن الاردني، عقلية مغايرة لعقليات ارتضت ان تحول بلادها الى ميادين للاعدامات وقطع الروؤس وقصف المساجد والمدارس وحضانات الاطفال.
الحكمة تقتضي من كل الاطراف، تعزيز تلك الخصوصيات، التي هي الضامن الاساس للحمة الجبهة الداخلية وأمنها، بدلا من محاولة البعض تحويل صورة 'الاخوان المسلمين' وكانهم 'غول' يوشك ان يأكل الاخضر واليابس، بل ويعمل البعض ايضا وبشكل 'ممنهج'- لن يخدم احدا في المحصلة - على خلق 'عدو' من 'الاخوان' الذين بدورهم لا يضعون أنفسهم في 'خانة العدو' اصلا !.
الحركة السياسية للحركة الاسلامية على الارض، حركة روتينية، طبيعية، مستقاة من ابجديات 'الحركة الديمقراطية'، لا يقتضي بأحد 'تهويلها'، وصناعة 'بعبع' منها، سيما وان الاردن قد قطع شوطا من المسيرة الديمقراطية، يتيح لاي طرف ان يمارس حقوقه ومكتسباته السياسية على الارض، ما دام لا يتعارض مع القوانين التي تنظم حركة الحياة في الدولة.
محاولة بعض السذج المدفوعين من غرائزهم، تسخين الجبهة الداخلية، ظنا منهم 'انهم يحسنون صنعا'، يتحتم على من يمسك بخيوطهم ان يوقف مسرحيتهم الهزلية على الفور، قبل ان تنتحور تجاذبات سياسية فكرية، الى ما هو ابعد من ذلك..!
كل البراهين التي تطرق لها من تطرق ، حول 'الجرائم التي ارتكبها الاخوان المسلمين' لا تعدو - في المحصلة - كونها اتهامات حول 'تصريحات' صدرت من قيادات في الجماعة، منها ما تم تضخيمه ووضعه في سياقات 'حسب الهوى' ، وكذلك اعتراضات للبعض على ' مجموعة شبان قدموا فقرة تحاكي ابطال المقاومة'، يحملون خلالها 'صواريخ كارتونية' ، وصل الحد باحدهم ان اعتبرها موجهة الى الداخل الاردني؟!..
بمعنى، ان كل الاتهامات للاخوان تندرج تحت اطار 'تصريحات لهم'، و 'اقاويل' (!) ومجددا 'تم تضخيمها'.. ما يعني ان تلك 'التهم 'يفترض بها ان تندرج تحت اطار 'حرية التعبير' !!..وهي ليست جريمة ولا ما يحزنون، سواء نتفق مع مضمون مفردات تلك التصريحات ام نختلف، الا انها حق كفله القانون والدستور.. فاي تهمة واي جريمة ؟..
الاتهام الاكبر الذي وجه للاخوان المسلمين، بانهم ' شككوا' و'انتقصوا' و الخ الخ ..من موقف الحكومة تجاه العدوان على غزة، و'اتهمومها بالتقصير' (!).. حتى وصل الامر بان صرح مصدر مسؤول امس معتبرا تلك التصريحات ' خروج عن المألوف.. ومزاودة على الموقف الأردني تجاه غزة' !!
اقول: اذا كان البعض يعتبر ان اكبر 'مصائبنا' في الاردن، تلك الـ 'تصريحات' والاتهامات للحكومة من تنظيم او حزب ما، سواء ضخمت ام اخذنا تلك التصريحات على عواهنها، فنحن بلد في خير والحمد لله !!.. وليت كل 'مصائب' البلدان المجاورة مثل مصائبنا ؟.
ان اي تصريحات لاي تيار سياسي سواء تختلف معه دوائر صنع قرار ما، او تتفق، وسواء ردح له كتبة ما، او مدحوا، هو في المحصلة 'مجرد رأي'، و'تصريحات' و'كلمات'، لن تتسبب في انهيار الدولة، ولن تحدث حربا داخلية - لا قدر الله - بل تريد بالضبط، (وعيا) و(حكمة)، بكيفية التعامل معها، دون اعتبارها حربا عالمية ثالثة !..
وبوضوح .. فان الاستغباء، لم يعد مدرجا في قواميس الوعي الاردني، وتضخيم حدث مر في غضون ساعة زمن بمهرجان سلمي ما، لا يدعو للانفعالات و'العصبية السياسية'، وتحشيد اعلامي وتجييش ..
فتح جبهات 'كلامية' واعلامية غرضها 'التحريض' ضد اي مكون سياسي في الدولة، او ضد الدولة وسلطاتها، يضع العازفين على هذا النغم النشاز خارج سرب الحوار السليم والصحي، الذي لن يؤدي الا الى تأجيج الخلاف، وزيادة رقعة التناقض، وهو أمر لا اعتقد ان اردنيا حكيما مخلصا، يرتضي به.
الحوار .. هو السقف الاعلى لاي خلاف بين مختلف الفرقاء في الحياة السياسية والاجتماعية الاردنية، يحتكمون اليه كلما زاد منسوب الخلاف.
بوصلة الفرقاء السياسيين الاردنيين، يفترض بها ان توجه نحو النصف الممتلىء من الكأس، لا الفارغ، والتركيز على النقاط الجامعة لا المفرقة، ودون ذلك فان أي طريق اخر مرفوض تماما، فهو وعر جدا،وغير مدروس.. ولا معلوم مألاته .. ولا ترحب به 'قدم' اردنية..!