أين عقوبة الإعدام
هوا الأردن - ماهر ابو طير
اولئك وحدهم جماعات «الليبرالية الاجتماعية» لايريدون عقوبة الإعدام، وهذه العقوبة مجمدة في الأردن منذ سنين طويلة والتجميد يحمل مخالفة للدستور، لانه لايجوز تجميد نص قانوني دون تعديلٍ على ماهو مفترض، والا صار من حقنا المطالبة بتجميد قوانين أخرى.
الانسان بلا قيمة عندنا، فالذي يطلق الرصاص على احد آخر في موقع عمله كما حدث مؤخراً، لمجرد انه لايحبه، والذي يقتل شخصا لانه قام بمضايقته عبر سيارته، كما حدث مؤخراً، والذي يقتل اعلاميا في بيته، والذي يقتل عسكريا في وظيفته، وكل المنتسبين الى فصيلة القتلة، يرتكبون جرائمهم دون ان يرف لهم جفن، فالكل يعرف ان لا اعدام في المقابل.
تنقلب القصة بعد قليل الى مطالبة اهل الضحية بإثبات نقاء معدنهم، وعلو شرفهم الاجتماعي، وصفاء كرمهم، عبر التسامح بدم القتيل، وهذه بحد ذاتها محنة اخرى، لان المجتمع يضغط عبر العطوات والجاهات، حتى يتنازل اهل القتيل عن حقهم، والا كانوا خوارج على العادات والتقاليد التي تفرض العفو، فإن لم يفعلوا يصيروا محلا للاذع الكلام، بصفتهم ردوا هذا الوجيه او ذاك!.
تفهم ان يتم التسامح اجتماعيا في وفاة جراء حادث سيارة، او بإطلاق رصاصة بالخطأ، لكنك لاتفهم كيف يصير مطلوبا من اهل القتيل اثبات نسبهم وحسبهم وان الكرم في جيناتهم، حين يكون القتل عمدا مع سبق الاصرار والترصد كما يقال؟!.
في كل الحالات، تجميد عقوبة الاعدام من جهة، وثقافة الجاهات والعطوات من جهة اخرى، ادياً معا الى الاستهتار بحياة الانسان، فهو بلا قيمة اذن، لان القانون لايعاقب القاتل عقوبة عادلة.
ولان المجتمع يدوس جثة القتيل، مابين من يتسامح وذاك الذي يتوسط وذاك الذي ُيشرّب اللبن على المناسف، احتفالا بزوال الغمة، وعقد الصلح، والراحل تحت الارض، يتأمل الاحتفالية على حسابه.
جماعات الليبرالية الاجتماعية، يعتقدون هنا، انه لايجوز ازهاق روح مقابل روح، وهذا كلام جميل، لكنه قابل للتطبيق في مجتمعات تقدر قيمة الروح الانسانية، وليس في مجتمعات، تتداول في امثالها منذ الصغر امثال «كل رأسمالك رصاصة بتسعة قروش» وفقا لتسعيرة الرصاص القديمة، او يقولون في مرات «طخه وديته علينا» او في مرات ايضا يقولون « كل رآسماله فنجان قهوة»، وهذا يعني ان هناك ثقافة في دمنا تشرعن القتل وتبسطه.
ثقافة التسامح وهي ثقافة نبيلة بلاشك، باتت مفرطة في سقوفها، وزادت الطين بلة، فوق الاخطر، اي تجميد عقوبة الاعدام.
تفهم ان يتم تجميد عقوبة السرقة لاسباب اقتصادية، قياسا على تجميد سيدنا عمر لها في عام الرمادة، هذا مع معرفتنا اننا لسنا في سنين عمر،
ولا في تلك العهود، لكنك لاتفهم لماذا يتم تجميد عقوبة الاعدام، في البلد، ارضاء لمؤسسات غربية، ولمنظمات عالمية، في توقيت تشتد فيه التغيرات الاجتماعية، وتفتح الباب لتحويل البلد الى «شيكاغو» ثانية؟!.
بعض الولايات الاميركية مازالت تطبق عقوبة الاعدام، والليبراليون الاجتماعيون يتعامون عنها، ويريدون تطبيق نهج الولايات التي لاتطبق الاعدام، وهم ذاتهم يضغطون لتغيير البنية الاجتماعية، فأصبحنا اليوم بصورة عجيبة ..لاصرنا غربيين ولابقينا مسلمين.. ومن كل بحر قطرة، ومن كل بيدر حبة قمح في طاحونتنا.
نريد دراسة رسمية حول ارقام جرائم القتل، عددها واسبابها، حين كانت العقوبة مطبقة، وارقامها وعددها واسبابها، حين تم تجميد العقوبة.
ثم اننا نسأل جهات كثيرة من بينها الحكومة والنواب وغيرهما، عن الحق الذي يبيح تجميد تنفيذ عقوبة الاعدام، وهل يتاح لنا إذا المطالبة بتجميد بقية العقوبات وبقية القوانين، ام ان القضية انتقائية، وتخضع لاعتبارات مختلفة؟!.
لابد من وقفة مراجعة، واكثر ما يؤلمك ان قضايا كثيرة واضحة كالشمس، لكنك لاترى احدا يعيد مراجعة دلالاتها، من اجل التوافق مع المستجد منها، وقد بتنا نسمع كل ساعة عن جرائم قتل يعجز عنها العتاة في عواصم الإجرام في العالم.
ثم يطلبون منك، ان تثبت نقاء دمك، وطهر نسبك الاجتماعي، فتسامح بدم القتيل، اكراما للجاهة، فتصير لحظتها القصة، تثبيتا، للمثل المتداول الذي يقول «رأسماله فنجان قهوة» وهو مثل عميق ثبتت صدقيته، وثبتت قدرته على ادامة القتل، فوق مساهمة تجميد عقوبة الإعدام في هذا الاختلال.
..ليس كل الرؤوس سواء!.