والقلب متعب
هناك مثل أردني يقول :- ( كل واحد ايقلع شوكو بإيديه) ....لست مقتنعا بهذا المثل أبدا وسأخبركم لماذا ؟...ذات يوم جاءت بنت من قسم الصحافة ,في إحدى الجامعات الأردنية وأجرت معي حوارا ..سألتني من خلاله عدة اسئلة , ومن ضمنها :- ما هي المشاهد التي تتذكرها من طفولتك وبقيت عالقة في ذهنك ؟
قلت لها :- في طفولتي كنا أحيانا نصنع من الخشب حصانا . أو أرجوحة وأحيانا نقوم بتكسيره كي نقلد الأستاذ , وغالبا ما تنفذ بعض شظاياه في أطراف أصابعنا وتنغرس تحت الجلد , وتكون مؤلمة جدا ...
لحظتها كنت أهرب إلى أمي , كي تزيل لي هذه الشظايا , وأتذكر أنها كانت ترتدي نظارة سميكة ,ثم تأتي بإبرة «الخياطة «وتنكش الجلد ...وأنا بين الصبر والألم اترنح , تارة أصرخ وتارة اضحك :- ...اصرخ لأن رأس الإبرة حين ينغرس في الجلد يكون مؤلما , وأضحك لأن أمي كان نظرها ضعيفا ..وغالبا ما تخطيء الهدف وتنكش الإصبع الاخر .
والأمر لا يقتصر على شظايا الخشب بل على الشوك أيضا , فنحن لم نترك شيئا إلا وعبثنا به , ولأننا أطفال كانت رقة الجلد كانت لدينا أكبر من رقة القلب ..لكننا نتحمل الألم ولكن في لحظة يكون حنان الأم بلسما , يشفيك ويغنيك عن كل الأدوية ..
هل تذكرين يا أم عبدالله ،تلك الأيام وكم نزعت لي من أشواك العمر المتعب .
والشباك الذي كنت تأخذيني إليه كي يدلك ضوء الشمس على إصبعي المعطوب والدقائق التي تمضينها , في نزع الشوكة , وبكائي ..ذاك الذي لم ينقطع ووعودي الكاذبة التي قطعتها أمامك بأني لن ألعب بالشوك ...
من قال هذا المثل :
(كل ايقلع شوكو بإيدو) كاذب ومتواطيء , لأننا نطبق عكس هذا المثل تماما , فنحن نزعنا أشواك اللاجئين السوريين , ونحن نزعنا الشوك من قلب العراقي الذي جاء هاربا من التنكيل والتشريد , ونحن من نزعنا الشوك من يد الفلسطيني الأخ والشقيق ..ونحن منذ أن خلقنا ونحن نفعل ذلك .
قلت للبنت التي سألتني السؤال ..عن أكثر مشهد في الطفولة علق بذهني :- أن وطني يشبه أمي ....لكل منهما وظيفة :- الحنان ونزع الأشواك ...
وها أنا قادم إليك يا أم عبدالله ...وهذه المرة , ليست يداي بل قلبي علقت به شوكة أو شظية خشب لست أدري , ولكن إنزعيها لي ..كما كنت تفعلين في طفولتي ...
ذاك أني أكتب من قلبي وليس من يدي , والقلب متعب .