قلتم وقلنا
لا صراع بيننا ... ولكنه إختلاف على فهم الوطن، فدعونا نحاكم ما كان حتى نتفق على ما سيكون.
قلتم إن الوطن للجميع، فقلنا نعم شريطه أن يكون هذا البلد لأبناءه الذين أسسوه من الاشيء ولهم الحق أن يتمتعوا بالإمتيازات كأردنيين، حيث تخص الحكومات مواطنيها بحق الإنتفاع بالخدمات الصحية والتعليمية والحق في الشغل عن طريق تنظيم سوق العمل، فهل قمتم بواجبكم أمام هذا السيل الجارف من العمالة الوافدة والتي تزاحم الأردنيين في جميع المجالات لدرجة وصلت فيها الأمور وقوفنا في طوابير للحصول على رضى المدراء والاكاديميين غير الأردنيين الذين يتحكمون بمفاصل التشغيل والتوظيف في الشركات والجامعات والمهن المساندة.
هل تفتح الدول أبوابها لكل من هبّ ودبّ لينتزع حق أبناءها بالعمل ... فالغريب يرضى بالقليل، لأنه جزء من المشكلة التي تسببت في تدهور الأوضاع في بلده، فهل ندفع نحن الاردنيين ثمن صبرنا وحفاظاً على الأمن والسلم الإجتماعي بفقدان وظائفنا، سياستكم هي مجال العمل هي السبب.
قلتم إن المؤسسات المستقلة ستمكنّ الدولة من حرية المناورة لتحريك التنمية، فقلنا نعم شريطة أن تكون الوزارات المشرفة على أي قطاع صاحبة صلاحية، ولكم في قطاع النقل أكبر مثال على تداخل الصلاحيات بين وزارتي الأشغال والإسكان، وسلطات إقليمية كالعقبة الخاصة وأمانة عمّان، وثلاث هيئات تنظيمية (النقل البري والطيران والسلطة البحرية) وشركتين للسكك الحديدية وثلاث شركات طيران، وثلاث سلطات بحرية. والنتيجة بأن قطاع النقل العام أصبح بحاجة الى من ينقله من غرفة الإنعاش الى ثلاجة الموتى. لقد اصبحنا أمام معضلة يصعب حلها الا بإجراء تداخلات جراحية لإزالة الورم وإعادة تعريف دور هذه المؤسسات المستقلة التي تستهلك ثلث الموازنة العامة كل سنة، وهل لنا ان نسأل الى أين وصل مشروع إلغاء ودمج المؤسسات المستقلة.
قلتم إن خصخصة الشركات العامة هي التي ستمكنها من العمل وفقا للأسس التجارية التي ستفضي للمزيد من التشغيل والمزيد من الإيرادات، فقلنا نعم، فليكن ... لنكتشف بأنه تم بيع حصة الحكومة في شركة مناجم الفوسفات والبالغة 37% بسعر بخس لجهة تحوم حولها الشبهات وتكشّف لكم ولنا وبقرار من القضاء الأردني العادل صحة ما كنا ننادي به بوجود شبهات فساد ثبت صحتها بإدانه أقرب الناس الى مطبخ القرار عن طريق تزاوج المال مع السلطة.
قلتم بان قانون الإستثمار هو الرافعة التي ستنشل الإقتصاد الوطني من تخلفه، فقلنا نعم، فليكن، لنجد أن مشروع القانون قد أبقى على جزر خاصة تعمل تحت مسمى المناطق التنموية مثل المفرق وأربد وعجلون-البحر الميت ومناطق صناعية وأقاليم خاصة كالعقبة وسلطة إقليم البتراء بحيث تم تقسيم الوطن لمناطق نفوذ يصعب على الدولة السيطرة على ما تبرمه من إتفاقيات، فهلا قلتم لنا ما هو العائد المالي الذي حققته منطقة العقبة الخاصة بعد ان تخلت سلطتها عن غالبية اراضيها الشاطئية لصالح شركات عقارية تقدم قصور ومساكن لا يحلم الاردني العادي حتى بمعاينتها.
نعم قلتم ونفذتم مخطط افقدنا ملكية المؤسسات والأراضي في العقبة لمصالح خاصة، بينما هي حق لكافة الأردنيين كونها مرافق عامة كفل الدستور الحفاظ عليها، وتجاوزتم الدستور ولم تكترثوا بالمادة 117 منه والتي تنص على (كل إمتياز يُعطى لمنح أي حق يتعلق بإستثمار المناجم أو المرافق العامة يجب أن يصدق عليه القانون) وهذا يعني الحصول على موافقة مجلس الأمة، وعلى الأقل استغلوا فرصة التركيبة الحالية للمجلس حتى نشعر بأننا نحتكم للدستور والقوانين، شكلياً على الأقل.
قلتم بأن الميناء قديم وموقعه يحد من تحويل العقبة الى مقصد سياحي عالمي، فقلنا وجهة نظر نحترمها، لنكتشف بيعكم للأراضي البالغة مساحتها 3200 دونم وبواجهة بحرية بطول 2000 متر وبسعر 350 مليون دينار وتحميل البلد كلف ازالة المنشآت والارصفة وتزويد المشترى بالبنى التحتية من كهرباء وماء وطرق وفقا للمخطط الاستثماري المعد من قبله.
واعترضنا على نقل الميناء في هذه المرحلة بالذات لعدم جدواه الاقتصادية وقد تبين صحة ما كنا ننادي به حيث تم صرف اكثر من 200 مليون دينار حتى تاريخه مقابل حصولنا على ميناء صغير أشبه ما يكون بمرسى اليخوت بعد أن كان لدينا (12) رصيف في الميناء القديم مع كامل البنية التحتية. وأصبحنا نشك في أن الإستغناء عن هذا المرفق سيكون لصالح موانيء إقليمية أخرى، ويعزز هذه الفرضية بان الشركة المشغلة لميناء الحاويات تدير اكثر من ثلاثين ميناء في العالم وتتحكم في حركة النقل البحري وفقاً لخطط شمولية، والأردن ليس في مقدمة اولوياتها.
قلتم بأن تقسيم المملكة الى ثلاثة أقاليم (شمال-وسط-جنوب) هو لأغراض تنموية وأمنية، وقلنا بأن هذا التقسيم يخالف الطبيعة الجغرافية للمملكة حيث تقسّم الأقاليم تبعاً لجغرافيتها التي هي في الحالة الأردنية تلك الاراضي المتاخمة لحفرة الإنهدام من الباقورة حتى غور فيفا جنوب البحر الميت، والمرتفعات الشرقية والصحراء، وبهذا يكون التقسيم طولي وليس عرضي كما هو الآن، فكيف لقائد أقليم الوسط أن ينسق حركة عساكره بفارق إرتفاع من ناقص 400 تحت سطح البحر حتى زائد 800 بمسافة افقية لا تزيد على 100 كلم (بين البحر الميت وعمّان) وما القاسم المشترك بين مدير أشغال العاصمة المنشغل بتراكم الثلوج على الطرقات، بينما يركز مدير آخر على مكافحة الذباب في الأغوار وفي نفس الفصل من السنة.
قلتم بأن نظام الإدارة المركزية لم يفضي الى تنمية المحافظات، وتقدمتم بمشروع قانون للامركزية، فقلنا لا ضير، هذا ما قد تحتاجه البلد لتوزيع مكاسب التنمية فتقدمتم بمشروع قانون أفرغ اللامركزية من قالبها بربط مجالس المحافظات المنتخبة بالمحافظ الذي يرتبط بوزير الداخلية، وخلقتم مجالس تنفيذية تنافس البلديات في عملها وستؤدي الى مزيد من التداخل في الصلاحيات وإعاقة العمل في ظل الإبقاء على جزر خاصة ضمن المحافظات تعرف بالمناطق التنموية وهي التي ستحظى بالإعفاءات الضريبية والحوافز، فيما يتبقى النذر اليسير للبلديات التي تتحمل عبء تقديم الخدمات للمواطنيين.
ونمتدح سحبكم لمشروع القانون بعد أن اقره مجلس الوزراء، فهذه خطوة تسجل لكم، فالتراجع عن الخطأ فضيلة، ولتكون فرصة لمناقشة المشروع على نطاق وطني واسع، والكف عن سياسة غربلة الحضور لسماع ما يسركم من المديح والثناء، فهذا المشروع كبير يتوجب معالجته بالتزامن من قانون الإنتخاب الذي طال إنتظاره، ويمس جميع الجوانب الحياتية للمواطنين.
قلتم بأن المخططات الشمولية ستضع خطة مكانية لكل بلدية، وقلنا بأن هذه الجهود لن تكون ناجحه لإفتقارها للتكاملية بين المحافظات والأقاليم، وإقترحنا بأن يتم إعداد إستراتيجية عمرانية شاملة للمملكة بحيث تراعي مناطق النمو المستهدفة مع الأخذ بعين الإعتبار إستراتيجية وطنية للنقل وللتعليم وللطاقة والمياه والصرف الصحي والزراعة، مع التركيز على ضرورة تضمين الخطة خرائط لإستعمالات الأراضي الزراعية والصناعية والسكنية والسياحية. إن أي حديث عن خطة إقتصادية لعشر سنوات قادمة بدون وجود إستراتيجية عمرانية مصدقة بموجب قانون هو مضيعة للوقت والورق لأنه بإنتفاء تخصيص الوعاء المكاني الذي سيستوعب الخطط التنموية، فإن الفوضى ستسود وتضارب المصالح سيعيق الحركة.
قلتم بأنكم حريصون على الزراعة وتسعون الى تنمية الغطاء النباتي في المملكة، فقلنا حسناً، فلماذا لا تقوموا ببناء الكلية العسكرية في المنطقة الخالية من الأشجار في منطقة عرجان والتي تم استملاكها من المواطنيين، ولماذا لا يزال السياج المعدني من غابات برقش التي باشرتم بجزها بالطريقة الأقرب إلى الإعدام، الا ترون ان قطع الأشجار الحرجية في بلد لا يزيد فيه الغطاء النباتي عن 1% هو إستخفاف بالشجر والبشر.
قلتم أطلقنا في تموز 2003 برنامج إصلاح التعليم من أجل الإقتصاد القائم على المعرفة، وهو برنامج متعدد المانحين مدته عشر سنوات، ونحن نقول، أما وقد أنهينا المرحلة الأولى في 2009 ونحن الآن في المرحلة الثانية التي تمتد حتى العام 2015، فهل حقق البرنامج النتائج المرجوه منه ولا سيما أنه كلفنا 120 مليون دولار أمريكي، أوليست نتائج الثانوية العامة لهذا العام كفيلة بتحويل القائمين على هذا الملف الى النائب العام.
قلتم جامعة في كل محافظة، فقلنا لِم لا، شريطة ان تكون مؤسسات تعليم راقية تسعى للتميز على المستوى الوطني للوصول الى درجة تنافسية عالية على السلم الدولي لنجد بعد عقود من الزمن بان افضل واقدم جامعاتنا تحتل المرتبة 3800 وامامها الكثير الكثير لتدخل قائمة الجامعات الخمسمائة الأفضل في العالم، ولن نسألكم عن الجامعات الحكومية والخاصة الأخرى التي اصبحت بيئة خصبة لتخريج أشباه المتعلمين وأبطال المشاجرات العشائرية، وقد شكلت نتائج الإمتحان التنافسي للمعلمين صدمة للناس حيث تبين ان بعض خريجي الشريعة الإسلامية لم يستطيعوا التفريق بين السور المكية والسور المدنية، وقد درس في شعبتي طالب تخطيط مستوى سنة خامسة يقيس بالمسطرة إبتداً من الرقم (1) وليس من الصفر، بحيث يكون طول خط (10) سنتميتر عند هذا الطالب (9) سم ويجادل بذلك.
قلتم ليس لنا قدره على إعاده خدمة العلم لقلة الموارد الماليه، فقلنا نعم، شريطة ان يكون هذا إستثناء لحين ميسرة، لنجد انكم استسهلتم ايقاف العمل بالقانون والاسهام في بناء جيل فاقد للحماسة الوطنية، ومنفلت وغير قادر على حمل السلاح للدفاع عن ارضه في منطقة ملتهبه تتطلب حشد الجماهير من خلال التعبئة والجيش الشعبي للدفاع عن نفسه.
قلتم ان الطاقة النووية مشروع دولة، فقلنا نعم شريطة أن يدار كمشروع دولة وليس كمشروع شخصي بدون ضوابط على الإنفاق وبإشراك المعارضين قبل الداعمين حتى يتسنى للمهتمين الإطلاع على دراسة الجدوى الإقتصادية والتاكد من انه الخيار الأمثل لحل مشكلة الطاقة في الأردن، وماذا لو اوليتم البدائل الأخرى من الطاقة النظيفة إهتماما مساوياً كطاقة الرياح والإشعاع الشمسي والصخر الزيتي، فهل كنا سنخسر كل هذه المليارات المصروفة على الوقود الأحفوري (النفط).
وفيما يتعلق بالغاز، فقد قمتم من خلال شركتي البوتاس العربية وشركة الكهرباء بالتوقيع على شراء الغاز من خلال شركة تمتلك حصصها الأكبر إسرائيل، فهل يستقيم رهانكم على عدو مخادع يعمل على إحتلال مزيد من الأراضي العربية وتشريد أهلها وقتل أطفالها ... غاز مشبع بالدم الفلسطيني، نحن في غنى عنه.
قلتم اصبح لدينا محكمة دستورية، وهذا مطلب اصلاحي نادت به الحراكات الشعبية، فقلنا، هذا إصلاح منقوص، لأنها مهندسة سياسياً ولا يستطيع المواطن التقاضي امامها لحصركم صلاحية الاحتكام اليها بالحكومة والنواب. وكذلك هي الهيئة (المستقلة) للإنتخاب التي فتحت أبوابها على مصراعيها لتشرف على أي إنتخابات تطلبها منها الحكومة ... الا ينتقص هذا من إستقلالية الهيئة، ليسعى مفوضيها لنيل رضى الحكومة التي تشتغل بالسياسة، وهي فن الممكن، أما الإنتخابات فهي فن النزاهة والمصداقية.
قلتم لدينا مجالس نيابية منتخبة، فقلنا نعم، وهي مجالس منتخبة على أساس قانون يستند إلى الصوت الواحد الذي فسّخ المجتمع وافرز مجلس نيابي في ظل مقاطعة شعبية واسعة.
إن هذا المجلس لا يعبر عن التركيبة الحقيقية للمجتمع الأردني وما هو الا نسخة عن الحكومات المتعاقبة حيث ذابت الفواصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية، فإنشغل المجلس في التفاوض نيابة عن الحكومة مع النقابات والمواطنين، بدلا من ان يكون صاحب السلطة في الرقابة على عمل الحكومة وليس وسيطاً لها.
قلتم لدينا إعلام حر، فقلنا نشك في ذلك، لأنه إعلام مكبل بقانون المطبوعات والنشر والذي يزج بالكتّاب في غياهب السجون لمجرد ابداء الرأي المعارض، ويخلق مجموعات من المستفيدين من الأعطيات والمكارم لتسمعوا ما تشائون وتقرءوا ما تحبون، نعم لقد نجحتم في تبوء الأردن المركز 155 على سلم الحريات الإعلامية.
قلتم لدينا حياة حزبية، فقلنا نعم، ولكنها مرصودة تحت المجهر، وما تلبثون الا وتنقضون عليها في حال شعرتم بقوتها، فتزمزمون جبهتها وتشقون احزابها بتوزير قادتها، ومازال الأردنيين ينفضون عن الأحزاب لمعرفتم بأن شيئاً جوهرياً لم يتغير منذ إنتهاء الأحكام العرفية عام 1989، ودليلنا على ذلك هو رفض غالبية الأحزاب لمشروع القانون الجديد والذي يسعى الى تفتيتها بتخفيض العضوية الى 150 شخص وحصر الدعم على المالي منه بإجراءات إذلالية بدلاً من تمكينها للمشاركة في الحكم من خلال الوظائف القيادية العليا المحصورة على أعضاء حزب السلطة.
قلتم بأنكم تنفذون برنامج للتصحيح الإقتصادي، فقلنا خير، لنجد ان المديونية في إرتفاع مستمر وانها قاربت للوصول الى 100% من الناتج المحلي الإجمالي، فهلا شرح لنا جهابذة الإقتصاد في حكومتكم، ما معنى ذلك عملياً، وهل ستضطرون الى خفض الرواتب الى النصف، ورفع الدعم عن كل شيء، وكم ستصبح القدرة الشرائية للدينار الأردني حينها. وحتى لا ننهي سجال القيل والقال هذا بسوداوية، نقول بأن الأردن قد أنجز الكثير في ظل محيط هائج وذلك بفضل الجهود والتضحيات الكبيرة التي بذلها الأردنيين من خلال النظام النيابي الملكي الدستوري، حيث أن الشعب (مصدر السلطات) وهذه عبارة يتوجب التفكر فيها بعمق، فهل يشعر المواطن بأن حكومة الدكتور النسور مثلاً ذات قبول شعبي بحيث يسلفها السلطة لتحكم بالنيابة عنه، وكذلك هو الحال بالنسبة للسلطتين التشريعية والقضائية. إن المحاولات المتكررة لتعديل الدستور قد أفرغته من جوهره القائم على فكرة الحكم النيابي الملكي، وبات الزج بعبارة (وفقاً لأحكام القانون) في كثير من النصوص الدستورية مربكاً للتشريع، فكيف تستقيم المادة الدستورية وتكتسب حصانتها إذا ما تم ربطها بقانون مؤقت أو قانون أكل عليه الدهر وشرب كقانون المخاتير لسنة 1958 ساري المفعول.
نريد بنقدنا هذا، الإشارة الى مواطن الخلل والتي إن عولجت بحكمة وإحترافية سنكون قادرين على الانتقال بالأردن الى مصاف الدول التي يستحق فيها الأردني وضيفه العيش بكرامة وأمان.