ذهب عجلون
"ذهب عجلون" يكاد يكون قصة أنموذجية عن كيفية تعامل الحكومة الحالية، وما سبقها من حكومات، مع المواطن، بصفته هامشيا غير معني بمعرفة كثير من الأمور، وبما يحتّم على ذلك المواطن اللجوء إلى التكهّن والتفسير والتأويل.
لا أحد يملك رواية حقيقية لما حصل في عجلون بالقرب من جامعة عجلون الوطنية، على طريق عجلون-إربد، مثلث ارحابا. إذ إن صوت الحكومة توقف، رغم كثرة الجهات المعنية بهذا الحدث، والتي تطال وزير الداخلية، ووزير السياحة، ومدير عام دائرة الآثار، ومحافظ عجلون، ومدير شرطة عجلون، وصاحب الأرض محل التكهن، وسوى ذلك من جهات.
حتى عندما أرادت الحكومة نفي مسألة الذهب على لسان محافظ عجلون عبدالله السعايدة، جاءت الرواية مشتملة على "ارتباك" واضح، عندما قدر أن الحفريات التي جرت في أرض عسكرية، ربما طالت أرضا مجاورة، وهي الأرض التي يقول صاحبها إنه تم العثور على الذهب فيها، وطالب بحصته من ذلك الكنز.
سنغرق دائما في التأويل والتهويل، ما دمنا لا نتلقى إجابات واضحة وشفّافة من مصادر حكومية معلومة، تشرح الأمور على حقيقتها. وسوف تتسع هوّة عدم الثقة باستمرار بين المواطن والحكومة مع كل حادثة مشابهة؛ عندما تلجأ الحكومة إلى دفن رأسها في الرمال والصمت، وترك الأمور الأمر لذوي الخيالات الخصبة لكي يتحفوا الرواية بإضافتهم وشططهم ومبالغاتهم.
ولعل الجانب الآخر من الرواية الشعبية يمثّل بعداً أكثر خطورة.
ففريق من ذوي الخيال الخصب، يرى أن مسألة "الذهب" ما هي إلا "فبركة حكومية"، وأن الأمر يتعدى ذلك نحو "تجهيزات أمنية" لغايات اختلف في أسبابها منظرو المقاهي والشوارع والمطاعم.
الغريب أنه لا يمكن للعاقل أن ينتقد كل أولئك المنظّرين؛ فحتى هذه اللحظة لم تفلح الضغوط الشعبية والنيابية، وآلاف التساؤلات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، في أن تجعل الحكومة تخرج عن صمتها وكسلها، وتعتبر أن من حق المواطن معرفة حقيقة الحفريات التي جرت في عجلون، والتي جرى نقاشها وتناولها بالحذف والإضافة في جميع محافظات الأردن.
من حق المواطن أن يشعر بأنه يعيش في مجتمع واضح، لا أن يبدو الأمر وكأنه لغز على الجميع التشارك في حلّه، فهنا سوف تدخل التأويلات والإضافات، وسوف تتسع هوّة عدم الثقة بين المواطن والحكومة، وسوف نكون جميعنا خاسرين.