إرهاب المعتدلين
فرق كبير بين التطرف والإرهاب، فالتطرف حالة فكرية أو سياسية وأحياناً نفسية يتبنى نتيجتها فرد أو مجموعة أفكار ومعتقدات وقناعات متطرفة خارج عن سياق الحالة العامة والوسطية التي يتمتع بها أي دين أو فكر وأحياناً الفطرة البشرية السليمة.
أما الإرهاب فهي الإنتقال بالتطرف - بغض النظر عن دوافعه وشكله - إلى حمل السلاح والتفجير والقتل، فقد تؤمن جماعة أو فرد بأن آخرين كفار وهذا تطرف إن كان خارج إطار الفهم السليم للدين، لكن الإرهاب أن يقترن الفكر بعمل لقتل « هؤلاء الكفار !! «، وأستباحة المجتمع والدولة وممارسة التفجير، ولهذا فإن كل إرهابي بغض النظر عن شكل التطرف أو دوافعه ومنطلقاته، ومن يصل إلى مرحلة القتل والتدمير وأعتبار كل الآخر عدوا ويستحق الموت فهو متطرف عبر عن تطرفه بإرهاب، وهذا ما مارسته العديد من التنظيمات التي كانت قائمة على فكر متطرف ونتيجة لظروف أو إستخدام أو عوامل ذاتية انتقلت إلى مرحلة الإرهاب، والأخطر أنها وضعت لإرهابها إطاراً فكرياً ودينياً يجعل من هذا الإرهاب عملاً صالحاً بل مفتاحاً للجنة، وحتى الإرهاب مارسته بتطرف جعل تفاصيل الإرهاب تتجاوز كل القيم الإنسانية، بل القيم الدينية التي أمر الله تعالى بها حتى عندما يتم ذبح الخروف على سبيل المثال.
وعند دراسة خارطة القوى الفكرية سواء الدينية أو غيرها نجد العديد منها تحتوي مساحات من التطرف، لكنها مجموعات لم تمارس الإرهاب، لكن لديها قابلية لهذا، وأحياناً نجد لتنظيمات تصف نفسها بالمعتدلة أجنحة عسكرية أو جيوباً عسكرية وأمنية داخلها، ولو دخلت هذه التنظيمات في أوضاع خاصة نجد من السهل عليها أن تمارس الإرهاب والقتل والتفجير وتبرر هذا بإعتباره نوعاً من الدفاع عن النفس أو مواجهة « السلطة « وغيرها من التبريرات، لكنها عملياً فعل إرهابي أنطلق من قاعدة داخل هذا التنظيم وهي جيوب التطرف أو أجنحة متطرفة تزداد مساحة تأثيرها في الظروف غير العادية بل قد تصبح هي العنوان الفكري لهذا التنظيم، مع الإشارة إلى أن إستحداث هذه الأجنحة ورعايتها قد يكون جزءاً من المهام لما يسمى القيادة المعتدلة.
التطرف في عالمنا اليوم اجتماعي وأحيانا قائم على الإقليمية والنزعة الجغرافية أو الشعور بالظلم والإضطهاد، أو تطرف يصنعه غياب الإنتماء للدولة، يخفيه إنتماء مصلحي وضعف، فضلاً عن التطرف الفكري والديني والمذهبي.
من المهم دائماً أن نتوقف عند مدارس ومسارات التطرف في تنظيمات الإعتدال فهي الأخطر لأنها تنمو دون متابعة وتظهر فجأة لتنضم إلى قائمة الإرهاب.