ما بين المنكب والعنق
أطراف المعادلة السياسية في بلدنا هي الملكية الهاشمية، أعضاء مجلس الأمة، الحكومة، الأحزاب السياسية، المواطنون، وفي الورقة النقاشية الخامسة لجلالة الملك توصيف لدور ومسؤوليات جميع هذه الأطراف لتحقيق التحول الديمقراطي المنشود ضمن مجموعة من الضوابط القيمية والممارسات الجوهرية.
أقول للذين قد يظنون أن الحديث عن ورقة نقاشية يقدمها رأس الدولة لإغناء الحوار الوطني، هو شكل من أشكال الاحتفالية بالورقة، أنتم على خطأ، ففي هذا العالم الثالث المحكوم معظمه بالأنظمة الشمولية والدكتاتورية ، هنالك "ملك" يطرح أوراقا للنقاش، وليس مراسيم وأوامر لتبني نهج ديمقراطي مفصل على القياس، والأهم من ذلك أنه لا يضع نفسه طرفاً تقابله أطراف أخرى، إنه يشمل نفسه من حيث هو رأس الدولة في هذا النقاش، ويحدد مهامه قبل أن يقترح تصوره لمهام تلك الأطراف من أجل أن يدور الحوار حول كيفية توظيف المسؤوليات لتحقيق الهدف الأسمى.
تستخدم الورقة تعبير " يقع على عاتق الملكية الهاشمية "، والعاتق هو المنطقة ما بين المنكب والعنق، وهو دلالة على حمل العبء الأكبر لتوفير نهج قيادي جامع لكل المكونات، يستشرف المستقبل بهدف تحقيق الازدهار لأجيال الوطن، ولأن الملك هو رأس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، فإن مسؤولية الدفاع عن قضايانا المصيرية المرتبطة بالسياسة الخارجية وأمننا القومي وحماية تراثنا الديني ونسجينا الاجتماعي وكل ما يرتبط بحماية الدستور والاستقرار والعدالة تقع على عاتقه.
في موقع آخر تضع الورقة مسؤولية العمل لخدمة الصالح العام على " كاهل " أعضاء مجلس الأمة، وتشير إلى أهمية " التوازن " بين المصالح المحلية والمصالح الوطنية، وبين مسؤولية التعاون، ومسؤولية المعارضة البناءة، والكاهل هو موصل العنق في الصلب، " والصلب " هو عظم الظهر.
ثم يتوالى توصيف المسؤوليات على بقية أطراف المعادلة، بما يشبه الجسم الواحد الذي تعمل وظائف أطرافه بكفاءة عالية ، ليتمتع بقوة العقل والبدن، قادر على الذود عن حماه، وعلى تفعيل قدراته الذاتية كي يصمد في وجه المخاطر والأزمات، ويحقق الآمال والطموحات، وذلك يعني أن السؤال الذي يفترض أن نجيب عليه هو كيف نشارك؟ وليس كيف نناقش!