النسور قدّم "خطبة الوداع" إحتياطا لأي قرار بترحيل حكومته ..!!
يتقصد بالضرورة رئيس الوزراء الأردني الدكتور عبدالله النسور ما قاله بخصوص «عدم إطلاعه» مسبقا على الحيثيات التي أعلنها الجيش حول ملف «تجسس إسرائيل» في إشارة تبدو أعمق وأبعد من الموضوع نفسه.
النسور، وهو يستضيف قائد الجيش الجنرال مشعل الزبن للتحدث عن سر الحفريات الشهيرة الذي أثار جدلا عاصفا في المستوى الإجتماعي والسياسي، استثمر الفرصة لإطلاق تصريح مقتضب كشف فيه ان جهازي الجيش والمخابرات أطلعاه في وقت متأخر على الحيثيات المتعلقة بالحفر لإعطاب جهاز تجسس إسرائيلي مفخخ.
قياسا بالمهارات المألوفة في رجل من طراز النسور يمكن القول بان الرجل يدافع أولا عن حكومته التي ظهرت خارج التغطية في مسألة الحفريات نفسها ويوضح ثانيا سبب ذلك عبر الإشارة لحجب المعلومات عنه في المرحلة الأولى من القضية.
التلميح في هذا الإتجاه يكشف سياسيا وضمنيا ان الأجهزة المعنية عملت من وراء ظهر الحكومة عندما تعلق الأمر بقضية جهاز التجسس الإسرائيلي وان العلاقة بين الحكومة والمستوى الأمني والعسكري كانت «غير طبيعية» على الأقل عندما تعلق الأمر بحفريات عجلون.
باطن الكلام يشير إلى ان النسور «يفتدي» حكومته في المحصلة ويوضح للرأي العام انها كانت»مغيبة» عن التفاصيل رغم انه وزير للدفاع بحكم الواقع الدستوري والأهم في ثنايا هذه الرسالة توجيه «اللوم» للأجهزة التي حجبت المعلومة عن الحكومة ودفعها للتخبط الإعلامي والسياسي.
يفسر ذلك ان حكومة النسور «متهمة» في وجدان الرأي العام بسبب صدور ثلاثة تصريحات عنها بخصوص حفريات عجلون إتضح لاحقا انها لا تتمتع بالمصداقية وتعليق النسور في السياق يدلل على ان الرجل «يتهم» ضمنيا بدوره مسؤولين كبارا في الدولة بالمسؤولية عن الضعف الذي ظهرت فيه حكومته بسبب حجب المعلومات في مرحلة لا تعكس التجاذب فقط بقدر ما تعكس إحساسا بتداعيات لن تتوقف في قضية «الكنز والتجسس» عند حدود ما أعلن بشفافية عن تفاصيل الموضوع.
الرأي العام ونواب البرلمان كانا قد شنا هجوما صارخا على الحكومة بسبب تعثرها في التعاطي مع ملف الكنز والتجسس الإسرائيلي والنسور لأسباب لم تتضح بعد يقرر عدم «ابتلاع» ما حصل مع حكومته ويعيد الأمر أمام الشعب وعلنا إلى حجب المعلومات عن حكومته مما يؤشر ضمنيا إلى ان «فريق الحكم والإدارة» لا يعمل مؤسساتيا بصورة جماعية رغم كل ما يقال عن الاستعداد لمرحلة حكومة الأغلبية البرلمانية.
عمليا يخالف النسور تقاليد أقوى من القانون في الإدارة وهو يعلن للناس حجب الأمن للمعلومات عنه في قضية جماهيرية أقلقت وزارته. بالعادة يبتلع رؤساء الحكومات مثل هذه المواقف ولا يبلغون الرأي العام بانهم خارج الصورة لكن مقربين من النسور يقولون اليوم بانه فعل ذلك إحتياطا لأي محاولة لخروج حكومته من المعادلة تحت وطأة الأزمة التي خلقتها الروايات المتعددة لمسألة الكنز ولاحقا تحت وطأة الكشف الجريء والمربك عن قضية التجسس الإسرائيلي بسبب رفض الرأي العام تقبل الروايات التي تم اختبارها.
اللافت في السياق ان حكومة النسور تتخذ هذا الموقف ورئيسها يجازف بإعلان حجب المعلومات عنه بعد ملاحظة بقية الشركاء في الإدارة والحكم للحكومة وهي تتخبط بتطوير ثلاث روايات للمشهد بدون تدخل معلوماتي أو تنسيق معلوماتي..على الأقل هذا حصريا ما يوحي به النسور بعدما امتلأت الساحة بالاجتهادات التي تقول بان حكومته «استنفذت» وفي طريق المغادرة.
بكل الأحوال سياسيا وواقعيا قد لا تفيد محاولة النسور الضمنية للتنصل من المسؤولية لان الحكومة هي صاحبة الولاية العامة وجميع السلطات تراقبها هي وليس بقية الأجهزة.
لكن وراء الكواليس يشتبه النسور بان بعض وزرائه وأفراد طاقمه ساهموا بإرادة أو بدونها في عملية»حجب المعلومات» خصوصا وان وزير الداخلية حسين المجالي دخل إلى إجتماع لجنة النزاهة البرلمانية قادما من مكتب رئيس هيئة الإركان عندما أدلى بتصريح مقتضب عن «عملية عسكرية» وراء الحفريات على أمل مساعدة حكومته في تقديم رواية تسكت الشائعات وهو ما لم يحصل ويوحي بنفس الوقت بان وزارة الداخلية على الأقل قد يكون لديها نمط من «المعلومات» التي يقول رئيس الوزراء انها حجبت عنه.
في كل الأحوال كانت الحكومة قد جربت الإعتماد على تصريح اولى حول انهيارات ولاحقا على رواية من الحاكم الإداري وثالثا على رواية وزير الداخلية لكن الروايات الثلاثة لم تفلح في إمتصاص حمى الشائعات حتى برزت رواية المؤسسة العسكرية الرابعة الشفافة والجريئة التي التهمت روايات الحكومة مما إضطر النسور للدفاع عن نفسه بقصة «حجب المعلومات».
وفي المحصلة يعكس تصريح النسور عودة روح التجاذب بين مراكز قوى وشخصيات أساسية في الدولة ويبدو ان النسور قدم عمليا «خطبة الوداع» دون وجود أدلة على توفير الفرصة له لكي يرحل بهدوء وباعتباره «ضحية» لحجب المعلومات ودون أدلة على انه لا يملك أوراقا يمكن ان تؤدي لترحيل آخرين معه في الطريق.
الثابت الوحيد بعد الإعلان عن تفاصيل وهم كنز هرقل والكشف إضطراريا عن قصة التجسس الإسرائيلي وما تحمله من تساؤلات ومجازفات وأكلاف متوقعة هو ان بعض الرموز سترحل… التوقيت والكيفية مسائل عابرة للحكومة ولمن حجب المعلومات عنها.