اسرار التجسس الإسرائيلي "المفخخ" على الأردن
تقطع عطلة عيد الأضحى المبارك في الأردن نسبيا الهمسات الموتورة التي تتوقع سيناريوهات تصاعد للجدل السياسي على خلفية الكشف عن قضية «التجسس الإسرائيلي المفخخ» لكن العطلة نفسها لا تنهي تماما المعطيات التي يتم تداولها بكثافة عشية العيد حول تداعيات أزمة جديدة من طراز خاص أنتجتها أزمة «الذهب المزعوم».
تقلص إلى حد كبير الحديث عن حفريات عجلون وما يسمى بكنز هرقل بعد توضيحات المؤسسة العسكرية للمسألة على أمل تهدئة الرأي العام.
لكن مسألتين برزتا على سطح الأحداث وأثارتا الكثير من الجدل على قاعدة أن جهة ما سياسياً ستدفع وينبغي أن تدفع الثمن.
المسألة الأولى تمثلت في المسوغات التي تسببت في حادث نادر قياسا بالتاريخ الأردني الحديث فلأول مرة يرى الأردنيون رئيس أركان قواتهم المسلحة على طاولة مؤتمر صحافي في رئاسة الحكومة في مشهد إضطراري تتطلبه إضطراب التصريحات الحكومية في سياق الرد على شائعة العثور على كنز هرقل.
والمسألة الثانية تمثلت في عشرات الأسئلة والإستفسارات التي أستنسخت بعنوان الكشف عن تفاصيل مثيرة لقضية تجسس مفخخ إسرائيلية قديمة جدا في الوقت الذي يتعاظم فيه الإعتماد الإقتصادي على «الغاز الإسرائيلي».
بدا واضحا من البداية أن مستوى الشائعات التي راجت في أوساط الجمهور حول الكنز العظيم الذي تطلب حفريات قرية «خربة هرقلا» في عجلون شمالي البلاد دفع أصحاب القرار للمجازفة خلافا للتقاليد بالكشف عن بعض الخلفيات العسكرية. وحاجة رئيس الحكومة الملحة الدكتور عبدالله النسور لكلمة من مؤسسة العسكر تحسم الجدل أجلست قائد الأركان على طاولة مباشرة وجها لوجه مع عشرات الصحافيين وهو حدث نادر جدا في بلد كالأردن.
الأوساط المعنية أوضحت لـ«القدس العربي» أن فكرة ظهور رموز المؤسسة العسكرية في مؤتمر صحافي لخدمة أجندة حكومية لم تعجب المستوى المرجعي الأساسي في الدولة خصوصا وان الجدل حول الذهب لم ينته تماما كما ولد جدلاً جديداً حول التجسس المفخخ في الوقت الذي تمكن فيه النسور شخصيا من السعي لتجنب حكومته المسؤولية المباشرة عبر العبارة الغامضة التي قال فيها بان المستوى الأمني والعسكري حجب عنه المعلومات بالخصوص.
مجددا هنا تبتلع المؤسسة المرجعية ومعها مؤسسات «سيادية» أخطاء فادحة تورط فيها المستوى السياسي والبيروقراطي وبدا واضحا أن مؤسسة الحكومة لم تكن في الإطار المنتج عند التعامل مع قضية حساسة من هذا النوع .
وهو وضع سياسي معقد الآن أربك غرفة صناعة القرار المركزية خصوصا وان المؤسسة العسكرية مارست سلوكا محترفا جدا ومسؤولا وهي تتعاطى مع قصة حفريات عجلون أصلا في الوقت الذي لا يمكن فيه بكل الأحوال تحميل الحكومة فقط مسؤولية الإدارة الإنفعالية للموقف برمته.
ثمة دلائل وقرائن برزت لاحقا على الإحتواء العسكري المهني الناجح لقصة الحفريات وأسرارها لولا التخبط السياسي والإعلامي فحسب مصادر مغرقة في الإطلاع إطلعت «القدس العربي» على حيثيات معلوماتية تظهر بأن معدات التجسس الإسرائيلية التي زرعت قبل 45 عاما بطريقة مجهولة كانت مربوطة بكمية كبيرة من عبوات شديدة الإنفجار وأن المؤسسة العسكرية تصرفت بسرعة وبموجب بروتوكول عسكري معروف بالأسلوب الإحترافي عندما كانت الأولوية لمنع أي آثار محتملة لهذه المتفجرات ولحماية أرواح المواطنين في قرى ومحيط مدينة عجلون.
لذلك إتخذت العملية طابعا عسكريا وعزلت ل 24 ساعة وحرست وكانت سرية قبل الكشف رسميا عنها وبسبب طبيعة المتفجرات وأخطارها المحتملة المحيطة بمعدات إلتقاط تجسسية تم إجبار الإسرائيليين على إحضار فريق يتبعهم لتفكيك هذه المتفجرات ونقلها و»تأمين» المنطقة .
وتظهر البيانات التي تقدم بها عضو البرلمان مصطفى العماوي حول مشاهدة ورصد «ثلاثة اجانب» أثناء عملية الحفر أن الأجانب وجميعهم من «كبار السن» حسبما علمت «القدس العربي» هم في الواقع تابعون لإسرائيل ويشكلون الفريق الذي توفرت لديه الخبرة أصلا في هذه الزراعة التجسسية الخطيرة، الأمر الذي يفسر كبر سن بعض الخبراء في العملية.
بصرف النظر عن الأبعاد السياسية للقصة وتداعياتها حققت إدارة القوات المسلحة هدفها الأساسي المسؤول وهو منع إنفجار العبوات المفخخة وتأمين المنطقة وحماية أرواح الناس والتخلص من «ماكينة التجسس» المزروعة أيام حرب الإستنزاف فيما بعد حرب 1967.
طبعا كان ينبغي أن يحصل كل ذلك في سرية مطلقة لولا التعثر الحكومي والإداري والبيروقراطي في التعاطي مع سيل الشائعات التي طالت مسألة حفريات عجلون.
يبقى ان القصة مثيرة بكل تفاصيلها فقد أثارت قصة التجسس المفخخ إسرائيليا على الأردنيين بعد 20 عاما من توقيع إتفاقية وادي عربة جدلا واسعا بعنوان التشكيك بجدوى السلام نفسه واحتمالية وجود مواقع تجسس إضافية وسبب الخمول في التعاطي مع المسألة في الماضي وهو جدل لا يريد أن ينتبه مرحليا إلى أن المعدات التجسسية التي حفر عليها ونقلت وفككت مفخخاتها «قديمة وحربية» ولم تكن تعمل في الواقع ولا يوجد حاجة لخدمتها الآن من الناحية العملية فيما كان التفخيخ هو الأساس من باب المسؤولية المهنية.
سياسيا وفي الختام يعتقد وعلى نطاق واسع بأن التجسس الإسرائيلي المفخخ سيطيح في النهاية ببعض الرموز وكبار المسئولين وقد يعيد إنتاج الكثير من الوقائع والحقائق على مستوى الإدارة العليا في الدولة وليس الحكومة فقط.
شخص واحد إستعد مبكرا لعملية «المحاسبة» التي ستجري بعد التشخيص وانتهاء عطلة العيد واحتواء الجدل الشعبي على الأغلب وهو الرئيس عبدالله النسور عندما حمل بسرعة راية «الرحيل» على أساس البراءة المفترضة من دم قضية الكنز والتجسس ….ذلك عندما قال ببساطة وعلى طاولة الإعلام وبحضور رئيس الأركان على الطاولة بانه «لم يكن يعلم».