يغرقوننا بحلو الكلام فيما نغرق بالدّين
نسمع الكثير من تصريحات المسؤولين الأصدقاء والأشقاء العرب عن دعم الأردن ومساعدته في مواجهة التحديات المالية التي يواجهها منذ سنوات. فمعسول الكلام عن الدعم والعلاقات الوثيقة والتاريخية لم يتوقف، يتبعه غزل بالدور الأردني الفاعل في قضايا الإقليم؛ الأزلية منها، والمستجدة مع بدء الثورات العربية.
لكن سخاء الكلام يقابله بخل في المنح والمساعدات الفعلية! فالتصريحات لم تحل دون تزايد حاجة الأردن للاقتراض، رغم أن أكبر وأهم مشكلة يواجهها هي الطاقة وارتفاع كلف دعم الكهرباء، والسبب انقطاع الغاز المصري وعدم التزام الشقيقة الكبرى بتنفيذ الاتفاقية التي تربطها بالمملكة بهذا الخصوص.
فاتورة الطاقة انعكست مباشرة على فاتورة الدين العام الذي قفز بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية إلى مستويات خطيرة، فيما لا تتوقف "سيمفونية" الحديث عن "الدعم الموصول" للمملكة!
الحقيقة، المستندة إلى الأرقام، تكشف أن مساعدة الأردن كانت بالحد الأدنى. وأبرز أشكال الدعم، وأخطرها في الوقت ذاته للأسف، تمثل في تسهيل حصول المملكة على قروض من مصادر مختلفة بكفالة أميركية، أو من خلال صندوق النقد الدولي والصناديق العربية الشبيهة؛ الأمر الذي زاد من شهية المسؤولين للاقتراض كمكسب صوري وغير حقيقي، مع تجاهل مخاطر ارتفاع المديونية على الاستقرار المالي والنقدي مستقبلا.
بالنتيجة، تبقى النظرة للأردن محدودة، وما يحصل عليه من منح غير كاف لمساعدته على عبور المرحلة، وأهم من ذلك أنه لا ينسجم مع حجم دوره في دعم الاستقرار الإقليمي، وتطبيق الخطط العالمية حيال الملفات المفتوحة.
بصراحة، ما يتلقاه الأردن لا يكاد يساوي شيئا، وهو بالتالي لا يحمي البلد واقتصاده، بل يبقيهما في عين العاصفة. فكل الحديث عن عون الأردن يتجسد سياسيا؛ إذ نرى صندوق النقد الدولي يغفر تأخر تطبيق متطلباته/ شروطه، ويقابل ذلك مزيد من القروض التي لا تملك الحكومة خطة لضبطها كما سدادها، حتى وصلت الحال إلى أن يتم التعامل مع ملف الدين ضمن مبدأ "صلي على الحاضر"، بحيث نقترض لنسدد، وهكذا!
النتيجة مديونية قياسية؛ إذ بلغ مجموع الدين العام 20.3 مليار دينار في نهاية تموز (يوليو) الماضي، مشكلا ما نسبته 79.5 % من الناتج المحلي الإجمالي المقدر للعام 2014، مقابل 19 مليار دينار أو ما نسبته 80.1 % من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2013.
كل ذلك والأردن، كما يعرف الجميع، بلد فقير الموارد؛ فلم تكن تكفي أصلا لتغطية كلف السكان قبل اللجوء السوري، فكيف الحال بعد توافد 1.5 مليون سوري، مع حجم منح لتوفير احتياجاتهم لا يزيد على 40 % من القيمة الحقيقية لذلك؟!
عبور الأزمة الحالية ومنع تفاقهما حد الانفجار، يحتاجان إلى العمل باتجاهين: الأول، خلق الإدراك، الحقيقي والواقعي، لدى اللاعبين الدوليين والإقليميين، بأن الأردن آخر قلاعهم الآمنة، والاعتراف بالأهمية الاستراتيجية لهذا البلد. وبالنتيجة، تقديم ما يمثل علاجا، لا مخدرا، لأوجاعه الاقتصادية التي يفاقمها العجز عن إحداث التنمية المطلوبة.
أما الاتجاه الثاني، فوثيق الارتباط بخطط الحكومة المالية التي تتوجها بالموازنة العامة، والتي لم تشهد أي إصلاح خلال السنوات الماضية، كما لا تشي المعطيات بأنها تُبنى بشكل إصلاحي للعام المقبل.
كل الحديث عن الإصلاح المالي مجزوء وصوري. وحتى اليوم، لم تقم الحكومات بتفعيل برامج الإصلاح التي أُنفقت عليها عشرات ملايين الدنانير، وتجدها مركونة في إحدى الغرف، يعلوها الغبار.
المحصلة هي أن الأردن يتطلع إلى مزيد من المنح وليس القروض التي ترهق الموازنة، وتقتل فرص الحكومة في إحداث التنمية. ولا يبدو أن ثمة فهما استراتيجيا لهذه المسألة من المانحين الذين يغرقوننا بحلو الكلام، فيما نغرق نحن بمديونية ثقيلة، تهدد الحاضر والمستقبل، وتتحمل كلفها الأجيال الحالية والمقبلة.