ماركة مسجلة
لا شكّ أن أفضل العبارات التي يمكن أن تقولها للحّام الذي يختار لك أضحيتك هي: «يسلموا أديك» ..»الله يجزيك الخير»..»الله يطرحلك البركة بمالك وعيالك»..»يزمّ أنت أمير»..
أصلاً في هذه اللحظات العصيبة عليك ان تؤمن انك مخلوق مسير لا مخيّر..ثم ماذا عساك أن تقول لمن يملك في يده ساطور، وفي جزمته سكين حادة، وفي الفردة الأخرى «مسنّ»، وعلى زاوية فمه سيجارة جلواز ، ومحيط قميصه الممتد من السرّه إلى ما تحت الترقوة بقليل مملوء بالدم الطازج..»خرفانك مش ولا بدّ» مثلاً !!..
أنا – أعوذ بالله من كلمة أنا- وعشرات مثلي كنّا نشبه خراف العيد تماماً من شتى الأصول والمعالف، نحاول أن نواري رؤوسنا بمؤخرات زملائنا دون ان نعترض و نبدي امتعاضنا..حتى أنني لم أتحقق تماماً من شروط الأضحية خاصتي، فقد كان يقود المعلم دحّام الخروف من رجله فلم اعرف ان كانت أضحيتي «عرجاء» أم صحيحة المشية ، ناهيك أن أذنها اليسرى «مصعت» بيده وهو يجرها وأوهمت نفسي ان ما سقط هو «النمرة « ليس إلا.. كما أن القرن غير بائن بينونة صغرى كون الجزمة كانت أعرض بكثير من وجه الأخ الاسترالي...
المهم بعد أن «بطحها» على البلاط المتّشح بالدم...قال لي بصوت غليظ وعرقه يتصبب : «انوي خالي»..وبسبب ارتفاع صوت السواطير على الخشب حولي لم أسمع ما قال فابتسمت بوجهه وقلت : « حبيب قلبي»..ثم أعادها ثانية بصوت أعلى وعصبية أوضح :»انوي يا خالي»..تمتمت بسرّي وحركت شفاهي من الخوف : « الله يجعل التمام على خير» فانفلت الدم قرب بلاطات المذبح ثم مسح سكيّنه بفرو الخروف وغادر الى زبون آخر..
الخراف المذبوحة أكثر مما كنت اتوقع ، دماء نازفة وفراء ملونة ،و»مرافسة» غير منتظمة، وعيون مفتوحه، وجرة سكين واحدة على الصوف المعتق بالتبن والتراب..تجعل «تعليم» الأضحية مهمة شبه مستحيلة..سألني لحام آخر بعد دقائق وهو يفرز الخراف المذبوحة في نفس الموقع « بتعرف خروفك»..رفعت أكتافي نافياً معرفتي...قال: «يزمّ كيف ما بتعرف اضحيتك»!!!..قلت له بطولة بال: ابيض ع رقبته شامه لابس نظارات ومربي سكسوكة...لم ترق له سخريتي ..فنظر إلي بعينين حمراوين فحاولت تلطيف الجو ثانية : يا خوي هو أنا قاري وإياه بالجامعة..أصلا ما شفته..ابتسم قليلاً ..فأردفت: بس على ما أذكر ما نزّل صيفي آخر فصل...فابتسم أكثر وحمل خروفاً على كتفه ومضى..
عندما يتوه فريق اللحامين بين الاضاحي يسألون صاحب الأضحية سؤال إقليمي بغيض..روماني .. استرالي ..بلدي..فيجيبه صاحب الأضحية حسبما اشترى أو حسبما نوى ان يشتري..ثم يسألونه سؤالاً مخجلاً أترفع عن كتابته الآن يتعلق بباءة الخروف...
أثناء السلخ كانت تسارع العجايز بوضع علامات فارقة على الخرفان كي لا تختلط بغيرها...هناك من تربط في رجل الخروف «كيس أسود» او خيط «مصّيص» او «خيط نايلون» أو طرف باكيت دخان فارغ...حتى ان حجة وضعت المسبحة في رقبتها على عجل وهرولت نحو باب الملحمة فلم تجد ما تعلّم به خروفها سوى «كيس شيبس «فارغ..فدحشته في مؤخرة الخروف عدم المؤاخذة .. حاولت تقليدها بحثت عن شيء في قاع المحل فوجدت علبة عصير راني «مطعوجة» ففعلت كما فعلت...بعد نصف ساعة لم يعد احد من اللحامين الكرام يقوم بالمناداة على الأسماء وإنما على «العلامات الفارقة»..وين «الوينستون الأبيض»؟؟..وين «شيبس بيوغلز»..وين «رأس العبد»؟؟؟..وين «مارش ملو»؟؟ وين « عصير ميزو»؟؟ الخ...
أثناء استعراض الرفاق المعلقين من «عراقيبهم» على الماسورة الغليظة وصلت إلى نتيجة مهمة مفادها:
اننا جميعاً سنؤول الى نفس المصير حتى لو اعتقدنا للحظة اننا نحمل : «ماركة مسجلة
ahmedalzoubi@hotmail.com