الامن المرن
الأمن المرن في وقت من الأوقات كانت الأحكام العرفية ضرورة ملحة يجب تطبيقها، وكانت سبب من أسباب تجاوزت الأزمات في تلك الفترة ولكن بعد انقضاء تلك الأزمة أصبح تطبيق هذه الأحكام يحد من الحريات ويتناقض مع مبادئ الديمقراطية وأصبح من الضروري إنهاء تطبيق هذه الأحكام الاستثنائية لكي تستمر المسيرة بالطريق الصحيح ومن ثُم تم تطبيق القانون على الجميع بدون استثناء لتسود أجواء الحياة السياسية الديمقراطية في البلاد، ومع تزايد المطالب الإصلاحية وظهور ما يسمى بالربيع العربي كان لا بد من تطبيق مفهوم جديد للتعامل مع الأحداث المتغيرة وفعلا تم تطبيق مفهوم الأمن الناعم، وساهم الأمن الناعم في تجاوز الاختناقات السياسية وصولا إلى مرحلة الربيع الأردني، الأمن الناعم هي مبادرة أمنية في مرحلة معينة من الأحداث كان تطبيق مفهومها امراً مُلحاً وضروريا لكن مع تطور مسيرة الإصلاح وتعافي النظام السياسي وتجاوز الأزمات التي مرت بها المرحلة ودخول تغييرات جذرية على منطقة الشرق الأوسط أصبح الاستمرار بتطبيق هذا النهج الأمني عاملاً مؤثر في التأثير على الاستقرار المحلي ولم يعد ذو إنتاجية كالسابق. من هنا نصل إلى قناعة أن ما يمكن أن ينجح تطبيقه في السابق قد لا ينجح اليوم وبالتالي هنالك العديد من المتغيرات التي تحكم النهج السياسي والأمني في البيئة المحلية، ومن هنا يتوجب تطوير النهج الأمني باستمرار ومراجعة السياسات العامة لاستمرار استقرار الأمن والأمان في الأردن.
مع تزايد إعداد اللاجئين العرب وظهور جماعات ذات فكر متطرف و تغيير البيئة السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط وجب علينا إيجاد منظومة أمنية جديدة تتسم بدرجة عالية من الشفافية وتسهم بفرض هيبة الدولة بالشكل الصحيح وتمنع من ظهور الشائعات وتعامل الجميع بطريقة مرنة بما يتناسب مع حجم الحدث المرتقب، ومن هنا فأنني من خلال مراقبتي للأحداث المحلية والدولية والتطورات السياسية والإصلاحية وجدت أن اطرح منظومة أمنية جديدة سميتها منظومة" الأمن المرن" بمعنى ان تتعامل الأجهزة الأمنية مع الأحداث بدرجات متفاوتة من القوة بناءا على مستوى الحدث، وهذا المفهوم يجسد قوة الدولة من الناحية الأمنية والمادية من خلال تطبيق القانون بصرامة أمام كل من تسول له نفسه العبث بأمن الوطن والمواطن ومن ناحية أخرى يجسد قوة سياسية للدولة من خلال تطبيق روح القانون وزيادة التواصل مع الأشخاص المطالبين بالإصلاح بالطرق السلمية، فيتم التعامل مع هؤلاء الأشخاص بمبدأ الأمن المدني الديمقراطي ، وتطبيق هذه المنظومة يعزز ثقة الشعب بالدولة من خلال التعامل مع كافة الشرائح بدرجات متفاوتة كلاً حسب عمله، وتطبيق الأمن المرن يتوافق مع أسمى مبادئ حقوق الإنسان حيث يشعر الفرد بالعدالة الاجتماعية في تطبيق الأمن. ما يميز "الأمن المرن"عن الأمن الناعم انه لا يتعامل مع جميع الأشخاص والفئات بنفس الدرجة من القوة حيث ان الأمن الناعم طُبق على الجميع وبنفس درجة التعامل، أما الأمن المرن يعتمد على أربعة مبادئ رئيسية وهي المواقف والفئات والأحداث والأهداف التي يتم التعامل معها، والأمن المرن هو منظومة أمنية تسعى لتحقيق العدالة الأمنية وتعزيز ثقة المواطن بالجهاز الأمني من خلال زيادة التواصل مع المواطنين اعلاميا ً وميدانياً والسعي نحو التشاركية الأمنية بين المواطن ورجل الأمن وتطبيق روح القانون على الجميع بالتزامن مع فرض هيبة الدولة وتطبيق القانون بحزم على كل من تسول له نفسه العبث بآمن الوطن والمواطن.
وتطبيق هذه المنظومة بحاجة إلى إستراتجية واضحة مبنية على أهداف معدة مسبقاً لمواجهة أي طارئ أو أزمة قد تحدث في المستقبل وبحاجة ايضاً الى مدونة سلوك ونظام رقابي يسهم بتقييم الأداء بناء على المتغيرات التي يتم التعامل على أساسها.