خوسيه واحد يكفينا
لقد ادّى ما يعرف بالربيع العربي للتخلّص من رؤساء مخلّدون في الحكم بل تجرأوا ان يطلبو الحكم مدى الحياة والأدهى انّهم وضعوا اسسا لتوريث حكمهم لأبنائهم بعد موتهم بينما هناك من بني شعبهم كُتب عليهم الفقر من مهدهم الى لحدهم ولم يجدوا يوما من ايام نعيم الحياة الدنيا .
وكلا الإثنين الحاكم والحالم يعيشان في نفس البلد ويواجهان نفس الظروف والتحديات إلاّ ان الحاكم يغرف من نعم الله التي وهبها الرب العظيم من اجل كافّة الناس ونهبها الحاكم اللئيم من اجل رفاهيته ورفاه ابنائه فلا الحاكم عاش سعيدا من داخله لسواد آخرته ولا الحالم عاش حياة كريمة وبدل الكفاية عاش على الكفاف والكفوف .
مع ان كافّة الاديان تدعوا للمساواة والعدالة فإنّ الشرائع الدنيويّة وان كانت العدالة روحها فإنّ تطبيقها خلق فئات الأسياد وفئات العبيد , طبقات الحكام وطبقات المسحوقين , مستويات المحظوظين ومستويات المنحوسين وكأنّ منهم من هم مخلوقون من نار والآخرون من طين وبذلك تولّدت الأحقاد وزاد عدد الحسّاد وعمّ الفقر والنفاق والفساد.
وهناك صورا مضيئة ليست في عالمنا العربي ومنهم الرئيس خوسيه موخيكا رئيس الأوروجواي البالغ من العمر 76 عاماً والذي تنتهي ولا يته نهاية هذا العام وقد شارك في انتخاب خليفة له ويطلق على خوسيه لقب أفقر رئيس دولة في العالم حيث يمتلك سيارة (فولكس واجن بيتيل) من طراز 1987 .
ويعتبر هذا الرئيس هو الحاكم الأقرب لمشاعر الناس في دولته، ودائماً ما تطلق عليه الصحافة بأنه الأكثر فقراً في العالم .
بالإضافة إلي أنه يقيم مع زوجته في بلدتهم المتواضعة و يقوم بعرض بعض أجنحة القصر الرئاسي المعروف بـ (كاسا سواريث إي رييس) في العاصمة (مونتفيديو) على المصالح الإجتماعية وذلك لتوفير المأوى للمشردين في حالة عدم كفاية المراكز الإجتماعية الموجودة في العاصمة، ويتصدر هذا الرئيس لائحة أفقر حكام العالم، حيث يحصل على راتب شهري قدره 12 ألف و500 دولار ولكنه يقوم بالتبرع بـ 90% من هذا الراتب للأعمال الخيرية ويحتفظ فقط بـ 1250 دولار، ويمتلك منزلاً متواضعا للغاية وسيارة قديمة التي لا تتعدى قيمتها 2000 دولار وهو لا يؤمن بديانة معيّنة لكنّه يؤمن ان الخير والقناعة ليست لها دين معيّن وإنّما موجودة في كل الشرائع منذ ان وجدت الخليقة.
لو ضمّ عالمنا العربي خوسيه واحد فقط لتولّد منه الاف الخوسيهات ولسادت القناعة واندحر الفساد وعمّت العدالة النسبيّة حيث ان العدالة المطلقة في السماء فقط التي انزل الله منها جميع الشرائع الموحّدة والتي كانت العدالة والمساواة نبراسا لها ونهجا لحياة اتباعها وضمانة لسعادتهم فيها .
فالعبرة في الحاكم ليس عمره او تعليمه او علاقاته وإنما هو قناعته في الحياة وحبّه لعمل الخير لأبناء شعبه حيث ينعكس ذلك ثقة به وقناعة بحكمه ومحبّة لشخصه دون تكلّف ونفاق حيث يعتبر هذا الحاكم ان الرئاسة وظيفة لفترة قصيرة يعود بعدها لحياته العاديّة بعد ان يتحرّر من الرسميّات المؤقّتة كما فعل خوسيه الذي بقي على حياته كما هي دون تغيير سوى بعض الواجبات والإلتزامات الرسميّة التي تفرضها عليه عندما يكون رئيسا والتي مارسها بكل عفويّة وبساطة .
ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والعبرة الحسنة فقد عرضت عليه الدنيا بكل معانيها ولكنه رفضها وكان يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع.