التطرف طينته واحدة
يقول حاييم شاين ، في مقالته المنشورة على صحيفة " إسرائيل اليوم " العبرية في 31/10/2014 تحت عنوان " من يمسك بالقدس ، يمسك بإسرائيل " يقول " أبو مازن ، المحرض الرئيسي ، أخطر من ياسر عرفات ، فهو يسعى إلى إشعال القدس ، كي يركز الإنتباه على النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ، وهكذا فهو يمد مساعدة سخية للقاعدة ولتنظيم الدولة الإسلامية ، بتخفيض الضغط العالمي عنهم " .
ويبدو أن حاييم شاين وأمثاله ، ممن يؤمنون بما كتب عن القدس ، أنه وجماعته يجهلون حقائق دينية ومبدئية وحياتية نؤمن بها ونعيشها وهي أننا كمسلمين ، نصلي خمس مرات في اليوم على الأقل وندعو " لسيدنا إبراهيم ولآل سيدنا إبراهيم " كما نصلي " لسيدنا محمد ولآل سيدنا محمد " فنحن نؤمن باليهودية وبالمسيحية كما نؤمن بالإسلام ، ونحترم ونقدر ونعظم سيدنا موسى وسيدنا عيسى كما نفعل مع سيدنا محمد ، وهذا مصدر ثقافتنا وقيمنا ، وعدم عنصريتنا ، وأن الديانات السماوية لدينا سواء ، لأننا نؤمن بالله و" بكتبه ورسله " ، والشيء المؤكد أن حاييم شاين وأمثاله يجهلون ذلك ، وإذا عرفوا حرّفوا ، لإسباب ودوافع عنصرية إستعمارية متطرفة ، وهو يتحدث عن عائلته التي تعرضت للمحرقة في " أوشفيتس " ، ويبدو أنه يجهل أو يتناسى أن معسكر " أوشفيتس " لم يكن في فلسطين ، ولا في أي مكان في العالم العربي ، وأن من قام بالمحرقة ليس من المسلمين ، ومع ذلك فهو وحكومته وأحزابه من العنصريين والصهاينة ، يعملون على تحميل الشعب العربي الفلسطيني ، مسؤولية الجرائم التي إقترفت بحق اليهود في أوروبا التي جاء هو وأمثاله من المهاجرين الأجانب منها ، جاءوا من أوروبا إلى بلادنا ، هرباً من إضطهاد الأوروبيين لهم ، أو جاءوا مستعمرين وفاتحين كما فعل الأوروبيون في أميركا ، وكأن فلسطين بلا شعب وتعاملوا مع الفلسطينيين ، كما تعامل الأوروبيون مع الهنود الحُمر في أميركا ، مثلما يجهل شاين وأمثاله أن الشعب الفلسطيني كان دائماً من المسلمين ، والمسيحيين ، واليهود ، وكانوا يعيشون على أساس المواطنة والأخوة والعيش المشترك قبل أن تطأ الصهيونية ومشروعها الإستعماري أرض فلسطين ، وتدمر قيم المحبة والأخوة والشراكة بين أهل فلسطين من المسلمين والمسيحيين واليهود .
كما أن حاييم شاين وأمثاله وأحزابهم وحكومتهم ونوابهم ورئيسهم نتنياهو يجهلوا الواقع ومعطياته ، وأن تطرف تنظيمي القاعدة وداعش ، يستهدف السنة قبل الشيعة ، والمسلمين قبل المسيحيين وقبل اليهود ، وأن عدد الذين قتلوا وتم تصفيتهم على أيدي داعش ومن قبلهم على أيدي القاعدة ، كان عدد المسلمين منهم أضعاف أضعاف الذين تم إستهدافهم من أبناء شعبنا العربي من المسيحيين ، وأن العرب الذين دفعوا الثمن أضعاف أضعاف شركاء المواطنة والحياة في سوريا والعراق من الأكراد ؟؟ .
ولذلك ثقافتنا غير عنصرية ، وليست طائفية ، ونؤمن بالتعددية لسببين :
أولهما : لأن البشر خلقوا على أساس التعددية ، وهذه طبيعة بشرية إنسانية لا يستطيع أحداً إنهائها أو إلغائها ، وهي خارج إرادتنا .
وثانيهما : أن المجتمع العربي ، بأغلبيته العربية ، تشاركه الحياة ، ثلاثة قوميات رئيسية هي الأكراد والأمازيغ والأفارقة ، إضافة إلى تجمعات من الشركس والشيشان والأرمن وربما غيرهم ، ويتكون من ثلاثة أديان ولدت على أرض العرب على التوالي وهي اليهودية والمسيحية والإسلام ، وبالتالي لا مجال للتضليل فيها أو التنصل منها ، فثمة نائب يهودي في البحرين ، ووزير يهودي في المغرب ، وطوائف يهودية في العديد من البلدان العربية في اليمن وسوريا وتونس ، وهم جزء أساسي من شعبنا العربي ومن التعددية السائدة في بلادنا ، فإذا قامت الحركة الصهيونية على العنصرية من أجل اليهود وضد الأخر ، فالحركة القومية العربية ، وفصائلها الوطنية ، قامت على أساس التعددية والديمقراطية ، ولهذا كانت قيادتها ، من المكونات المتعددة الموجودة في العالم العربي ، ولم تقتصر قياداتها على العرب أو على المسلمين ، بل كانت خليطاً من مكونات المجتمع في العالم العربي ، من عرب وأكراد وأمازيغ وأفارقة ومسلمين ومسيحيين ويهود ضد الإستعمار وضد الظلم وضد التخلف والعنصرية ، كانت كذلك ، وستبقى ، لأننا كعرب نتوسل أن نعيش في كرامة وتعددية وديمقراطية ، وهذا برز ويبرز من هوية قادة حركة التحرير العربية الذين فجروا معركة الإستقلال ، وقادة الأحزاب القومية والأحزاب الشيوعية والأحزاب الوطنية في بلادنا ، حيث يغلب عليهم التعددية إنعكاساً للوعي وللواقع وللتاريخ .
h.faraneh@yahoo.com