مواطن بنكهة مسؤول
يلجأ عددٌ من تجار السلع إلى الغِش بأكثر من طريقة ، واعتمدوا أخيراً على استخدام النكهة التي تبعث رائحة زكية ، تقارب الطعم الحقيقي للسلعة التي يعرضوها ، وغالبا من يشتريها هم الفقراء المعدمون اللذين يبحثون دائما عما كبر وزنه ، وزاد حجمه ، شريطة أن يقل سعره ، حتى لو كان في عمقه وحقيقته فاسدا ، فيقنعوا أنفسهم وبسبب ظروفهم الصعبة على ضرورة التغاضي عن كل ذلك ، متذرعين بروعة النكهة التي يضعها التاجر على سلعته ، ليخفي ما بها من فساد ، والتي غالبا ما يرفض الحيوان تناولها ، وذلك لأنه لا تنجلي عليه خدعة النكهة التي تغطي حقيقة الفساد ، وهذا ما يحصل لدينا عندما نتعامل مع بعض الأطعمة والأشربة .
ويبدو أن النكهة لدينا قد تطورت ، فلم يعد استخدامها مقصوراً على المواد التموينية ، بل تعداها إلى بعض القضايا الإجتماعية والسياسية ، وكأن عقلية التاجرالفاسد، هي ذاتها عقلية ذلك المسؤول اللامبالي، الذي بات يمرر نظرياته وقوانينه علينا ، أياً كانت النظريات أو القوانين ، مستخدماً عدة نكهات وبما يتناسب مع طبيعة كل منطقة ،ويتناسب مع كل طبقة.
وما خدم ذلك المسؤول ، ليس فقط القدرة على ترويج القانون أو النظرية من خلال التركيز على النكهة ، إنما ايضاً خدمه ما يميز المواطن الذي باتت ذاكرته كذاكرة السمكة ، قصيرة الأمد .
ونتيجة لذلك ، اصبحنا نرى مواطن مسحوق لكنه صابر، لأنه يعيش بنكهة مواطن مسؤول ، وتحملنا الفقر والجوع والبطالة ، لأن كل ذلك جاءنا بنكهة الظروف الإقتصادية الصعبة ، وتجرعنا الإرهاب الإجتماعي صاغرين ، فقط لأنه جاءنا ايضاً بغطاء الأمن والأمان .
واصبح لدينا جيل جاهل معدم لكنه بنكهة المثقف المحترف المطلع ، حتى ذلك البدوي القابع في خيمته وسط الصحراء القاحلة الحارقة ، بات يعيش بعقلية الشيخ المتنفذ ، وحتى الموت اصبحنا ننظر اليه بشكل مختلف ، فقط لأنه غُلف لنا بنكهة الحياة .
أما الجماعات الإرهابية المختلفة ، فأصبحت تؤثر وتستقطب مؤيدين لها ، من خلال تغطية اهدافها السوداء بنكهة الإسلام تارة ، وبنكهة الحرية تارة اخرى ، وما خفي عندهم كان أعظم وأظلم .
أخيرا اقول ، إن كنا قد تجرعنا الزيت الفاسد ، لأنه جاءنا بنكهة زيت الزيتون ، أو اكلنا المشاوي الفاسدة ، لأننا سِرنا إليها بسبب نكهة اللحم البلدي التي تفوح منها ، وتجرعنا الفقر والحرمان والتهميش ،لأن الحكومة أضافت إليه نكهة الأمن والظرف الإقتصادي الصعب ، فإنه حتما سيأتي يوم إما أن تفسد نكهاتكم كما فسدت بضاعتكم ، أو يأتي من لا تنطلي عليه خدع ذلك التاجر الفاسد ، أو المسؤول اللامبالي ، وعندها سنقول لكم صراحة (هذه بضاعتكم ردت إليكم).
عاش الأردن قيادة وشعباً وتربا