ما مصير التحالف الأميركي وأدواته في المنطقة
قبل البدء في الإجابة على السؤال عنوان المقال علينا أن نعي أن المنتصرون وحدهم يفرضون ثقافاتهم وأفكارهم وتوجهاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والناس كما يقول العلامة ابن خلدون يتشبهون دائما بعادات وثقافات المنتصرين ، وليس من شك أن مفهوم القوة تغير من الشكل التقليدي إلى مفاهيم العلم والمعرفة ، التي غدت العنصر الرئيس في تحديد موقع الدول من الصراع العالمي الدائر الآن ، ولننظر كعرب ومسلمين إلى تحرك منظومة البريكس، القوة الصاعدة الجديدة، التي تتحرك وفقا للمعايير الجديدة لمفهوم القوة ، أما للإجابة على السؤال نقول : هذا السؤال يأتي برسم سقوط آخر أوراق التوت التي يتستّر خلفه ذلك الحلف وأدواته في المنطقة ، من أجل قول الحقيقة لا أكثر في وقت تتحمل فيه الحكومة السورية العبء الأكبر في محاربة الإرهاب ، وفي المقابل فإن التعقيدات المتشابكة على الساحة الإقليمية والدولية باتت تنذر بانفجار وشيك بفعل التمادي الأميركي في دعم الإرهاب ، لا بل واستثمار الإرهاب وضرب قواعد القانون الدولي في عرض الحائط ، ولا أعرف في ظل هذه الأوضاع كيف نجد متسعاً من الوقت للحديث عن السلام ؟ وعن أي سلام نتحدث عنه ؟ سلام المنطقة كاملة أم سلام الفلسطينيين والإسرائيليين ؟ ولكن كيف ؟ كيف ونتنياهو الرافض لمبدأ السلام يلهث وراء إحباط مساعي السلطة الفلسطينية في الطلب من مجلس الأمن الدولي التصويت على مشروع قرار إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967؟! ويعول على استخدام واشنطن حق النقض لإفشال المسعى الفلسطيني ، والأدهى أنه يرى في تلك الخطوة خطرا يهدد أمن كيانه، متناسيا أن الإرهاب الصهيوني هو الخطر الداهم على المنطقة والعالم أجمع ، من هنا يكتسب السؤال أهمية مضاعفة بعد أن ندرك ملامح الحقبة السياسية الجديدة في إعادة ترتيب المنطقة على نحو يجعل من أمريكا معلم الأمس مجرد عضو في عالم اليوم قد يأخذ أو لا يأخذ في رأيه ، ولو تعمقنا أكثر في المواقف الروسية لعلمنا أنها الأقوى في امتلاك الأوراق الأشد خطورة عالمياً والتي من شأنها أن تحدث عدة اختراقات أمريكية وعلى كافة الجبهات ومن جميع النواحي ، بالتالي لا بد أن تخلق الإجابة إستراتيجية للأنظمة التي ما زالت تمارس الدوران حول الفلك الأمريكي الذي لم يقوم أصلاً إلا فوق إرادة هيمنة مستترة خلف الشعارات البراقة للديمقراطية وحقوق الإنسان ، وتعميم إرادة القوة والوحشية التي قتلت الملايين في أفغانستان والعراق وليبيا والسودان والصومال وسوريا وفلسطين إلخ من مناطق لا يمكن ذكرها في هذه العجالة ! والحقيقة أن الكثير من الدول حول العالم أصبحت تشك في السلوك الأميركي كحليف استراتيجي لها، خاصة في آسيا وبعض دول شرق أوروبا ، وقد بدأت منذ فترة قصيرة في بناء تحالفات جديدة لها مع روسيا والصين ، لكونها تشك فعلياً بجدية الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في حمايتها من أي خطر مفترض، وميدانياً علينا أن نعترف أن لكل من روسيا والصين أكثر من موطىء قدم في المنطقة لنفتح الباب على الأقل أمام الحلول الممكنة . وليس من الشك أن على الأنظمة التفكير الجاد ليس في تفكيك شبكة علاقاتها الحالية ، وإنما في كيفية إقامة شبكة علاقات جديدة تنسجم مع التعدد القطبي القادم وإلا فإن هذه الدول ستفقد وظيفتها العالمية ويصبح مصيرها نفس مصير إسرائيل التي تتخبط اليوم ولا تعرف أين تتجه ، وهنا أود أن أقول كمؤسس للهيئة الجليلة على المستوى العالمي : كإنسانيين لسنا بصدد الكشف والتعرية أو الفضح لأي من الأنظمة أو حتى الإدارة الأمريكية ذاتها ، ولكننا نبين آليات السيطرة وعلاقات القوة المتجددة تبعاً للخارطة العالمية الجديدة والمتجددة . ولكي نستوعب أكثر علينا أن نتابع ميدانياً ما يحدث في المنطقة وبالتحديد في وسوريا ، وبخاصة ذلك التدخل السافر من قبل إسرائيل لصالح الجماعات الإرهابية بعد الانتصارات المتتالية للجيش العربي السوري في حلب ودير الزور والقنيطرة ودرعا وغيرها ، وليست المرة الأولى التي تقوم فيها إسرائيل بقصف مواقع في الداخل السوري فقد قامت قبل هذه المرة في آذار وأيار الماضيين وقبلهما، ومنذ بداية العدوان على سورية، وكلما اشتد الخناق على المجموعات الإرهابية، تقوم بهذه الأفعال الإرهابية ، ولكن لماذا وبهذا الوضوح وذلك الجنون المفرط ؟ لأنها ترى مصيرها المحتوم ، ذلك المصير الذي لم تفكر فيه بعد تلك الدول والأنظمة التابعة لأمريكا . في الحقيقة أمريكا وإسرائيل وحلفائهم في وضع لا يحسدون عليه من الهذيان السياسي الذي فضحت كافة الأوراق التي كانت ولغاية الأمس القريب مستورة ومن قبل الإدارة الأمريكية ، ولا أعرف ما الذي تبقى عند أدارة تقوم وبشكل علني بفضح كل من تعامل معها ؟ لا بل وتجهد نفسها في تفهيم من لا يستوعب أن التحالف ضد داعش لا يهدف إلى القضاء على داعش وإنما إلى إعادتها فقط إلى الحاضنة الأمريكية بعد أن طمع في النفط والمال ! ما هذا ؟!!! أعود وأتساءل ما دام أن هنالك قرارات صادرة عن مجلس الأمن مثل القرار 2170 والقرار 2178 من أجل محاربة الإرهاب في سوريا والمنطقة الذي يشكل خطراً على العالم بأسره، فما سر استمرارية الإرهاب ؟! في تقديري المتواضع أن استمرارية الإرهاب تعود لعدم قناعة أمريكا وحلفها في الحل السياسي في سوريا وعموم المنطقة ، والأنكى من ذلك أن أمريكا تسير بخطتها في محاربة الإرهاب مع أنها تريد أن تدعم المجموعات الإرهابية على الأراضي السورية بزعم محاربة تنظيم داعش الإرهابي ، بالتالي فإن ما تفعله يعد هروباً من استحقاقات سياسية كانت قد تعهدت بها للجانب الروسي قبل مؤتمر جنيف 2 وما بعده، ولم تعد تتحدث عن أي حل سياسي في سورية لأنها لم تكن راغبة في ذلك فعلياً ، لهذا فإن الخوف في تقديري ليس من أن الدول الوظيفية الراعية للإرهاب لا تستطيع السيطرة على الإرهاب ولا توجيهه إلا لمرحلة زمنية معينة لينقلب بعدها على هذه الدول الوظيفية وأسيادها ويعمل وفق مصالحه ودوافعه العقائدية، وإنما من تغير الأدوار العالمية والذي يجعل من القوى الإرهابية ليس ضد الدول الراعية فحسب بل ضد نفسها ، الظروف الدولية والإقليمية تتغير وهؤلاء ليسوا أصحاب قضية ، مجرد مرتزقة لا لغة ولا رابط قومي أو عرقي لهم ، تم جلبهم من شتى أصقاع الأرض للقيام بالفوضى الهدامة التي تبني عليها الولايات المتحدة الأميركية سياستها في المنطقة لتستفيد من تلك الفوضى بإضعاف الدول المارقة على خطها السياسي والتي لا ترضى أن تعمل وفق رغباتها . نعود إلى السؤال عنوان المقالة ، ولكن ثمة أولوية غاية في الأهمية وتتمثل في ضمان أمن الخليج بالنسبة لأمريكا ، وبالمناسبة أصبحت هذه الأولوية بنداً ثابتاً في ميزانية الدفاع الأمريكي خلال السنة المالية 2015، كما تم طرحها في العام الماضي في إطار تناول الأولويات الإستراتيجية حتى عام 2040 م ، ومن جانبها، أبدت أمريكا استعدادها لإعادة القوات المقاتلة لمساعدة الدول الحليفة في المنطقة كما حدث هذا العام في حالة العراق،وفي هذا الإطار تقوم القوات الأمريكية بتعزيز تواجدها في منطقة الخليج باستقدام سفينة لقيادة القوات الخاصة، وسفن لمنظومة الدفاع الصاروخي بعيد المدى، وغير ذلك من العتاد ، كل هذه السلوكيات تدفعنا للتساؤل عن مصير التحالف الأميركي وأدواته في المنطقة .؟! ولكي يتفهم الجميع ما الغاية الأمريكية من ذلك علينا أن نؤكد على إحصاءات معهد أبحاث السلام في ستوكهولم( SIPRI) والذي يشير إلى أن صادرات الشرق الأوسط من المنتجات الأمريكية بلغت 28 % خلال الفترة بين 2009-2013 وهو ما يعادل ضعف حجم الصادرات الأوروبية للمنطقة، وقد بلغت الصادرات الأمريكية لدول الخليج وحدها في مجال التسليح 50 مليار دولار تتضمن طائرات قتالية متقدمة، وأنظمة دفاع صاروخي، وتشير التقديرات إلى أن السعودية وحدها حصلت على 29 % من صادرات الولايات المتحدة العسكرية خلال الفترة بين 2009-2013 ، نستنتج إذاً أن المصلحة الأمريكية أولاً وقبل كل شيء ولو أدى ذلك إلى حرق العالم أجمع وفي مقدمته الحلفاء ! وإذا كان ما تقوم فيه أمريكا ليس في مصلحتها ، فكيف يكون في مصلحة الحلفاء ؟ أمريكا من سقوط إلى سقوط ومن هزيمة إلى هزيمة ، ولننظر ما حدث في أفغانستان ، ثم العراق ، ثم سوريا ، ثم أوكرانيا ، بالتالي فإن أمريكا لم تعد في هذه الأثناء تبحث عن حكم أممي فقدته ، وإنما عن تعزيز وتأكيد وجودها كعضو في العالم الجديد ، سيما وأنها تقف على عتبات الإفلاس ، فهل من المعقول أن تقود دولة مفلسة العالم ،وكلنا يعلم أن الكونغرس الأمريكي قام بالسماح لإدارة أوباما بالاقتراض المالي بدون سقف محدد ، وهذا لن يمنع الإفلاس المالي في أمريكا وإنما سيؤجّله فقط ، هل عرفتم إلى ما ترمي الإستراتيجية الأمريكية ، ترمي إلى إنقاذ ما تبقى من السيادة الأمريكية العالمية لغايات التفاوض وليس ممارسة السيادة ، ولكن التفاوض على ماذا ؟ على أن تكون أمريكا من بين الدول العظمى في العالم القادم ، العالم المتعدد الأقطاب ، بالتالي يبقى السؤال ما مصير التحالف الأميركي وأدواته في المنطقة ؟! خادم الإنسانية . مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .