احترام القضاء يا دولة الرئيس
اوجه هذا النداء الى دولة رئيس الوزراء الاكرم ، لانصاف عدد من موظفي شركة البوتاس العربية، وهو الذي كان سندا معنويا لنا ، عندما كان نائبا في البرلمان ، فكم قمنا بالاتصال معه ، وكم كان وفيا عندما كان يعاود هو الاتصال معنا ، ان كان هاتفه مشغولا ، او لم يتمكن من الاجابة في المرة الاولى ، وهذا ما حدث معي شخصيا ، وهو امر يدل على نبل اخلاقكم يا دولة الرئيس ، والتصاقكم بقضايا شعبكم ، وانتم المشهود لك بالنزاهة والاستقامة والوطنية الصادقة ، طيلة عشرات السنين ، من تقلدكم ارفع المنصب .
منذ عام 2008 ، وهو العام الذي جرت فيه الهيكلة الوظيفية في شركة البوتاس العربية ، ومئات العاملين في الشركة ، وجلهم من قدامى العاملين ، الذين عاشوا اصعب ظروف العمل ، وتعرضوا لاكبر المخاطر ، ونالوا اقل الرواتب ، فاصبح مصيرهم كمصير خيل الانجليز عندما تهرم ، يعيشون دوامة الصراع مع ادارة الشركة ، ومع نقابة العاملين المتواطئة معها ، من اجل انتزاع حقوقهم المنتقصة ، بعد ان اصبحت هذه الهيكلة ، اكبر عنوان للظلم والمحسوبية .
لقد جاءت هذه الهيكلة ، بعد خمس سنوات من خصخصة شركة البوتاس عام 2003 ، وبعد مخاض عسير استمر لسنوات ، تبارى فيه العديدون من ابناء الوطن ، ممن كانوا يحتلون مناصب متقدمة قبل الخصخصة ، لتقديم خدماتهم للمستثمر الاجنبي ، عبر التضييق على ابناء وطنهم ، والتضحية بحقوقهم ، بعد ان تضاعفت رواتبهم فجأة ، الى خمس او ست مرات ، وبدل ان يكون هذا الخير الذي هل عليهم ، دافعا لتحسين اوضاع زملائهم في العمل ، اصبح سيفا بايديهم ، مسلطا على رقاب من يجرأون على المطالبة بحقوقهم ، وكأن ما ناله هولاء المحظوظون من امتيازات ، لا يمكن الحفاظ عليها الا بسحق من يطالب بحقه .
لقد لجأ المئات من العاملين المنتقصة حقوقهم ، الى كل السبل الادارية الممكنة لتحصيل هذه الحقوق دون جدوى ، كما لجأوا الى نقابة العاملين في المناجم والتعدين ، وهي احد المتسببين بهذه المظالم ، بعد ان وقعت اتفاقية عمالية مع الشركة لاقرار الهيكلة ، رغم كل ما فيها من مساويء ، دون دراسة مستفيضة ، او ربما ربما ارتبط التوقيع بمصالح شخصية ، ومنحت هذه الهيكلة شرعية عمالية ، واعترفت جميع الاطراف لاحقا بسوء الهيكلة ، فتشكلت العديد من اللجان لانصاف المتظلمين ، لكن دون جدوى ، مما اضطر العشرات من العاملين ، الى اللجوء الى القضاء الاردني ، كسبيل وحيد لنيل حقوقهم العمالية بقوة وعدالة القانون ، اضافة الى المئات من قضايا التامين الصحي ، ولهذا الموضوع الاخير قصة اخرى .
في عام 2012 ، تشرفت شركة البوتاس العربية ، بتعيين معالي جمال الصرايرة ، رئيسا لمجلس ادارتها ، وحظي هذا التعيين بالترحاب ، والامل بتغيير الاوضاع الى الافضل ، لما عرف عن معاليه من سمعة عطرة ، وهذا ما كان بداية ، حين اصدر معاليه ، ومنذ الايام الاولى لتعيينه ، قرارا باعادة دراسة الهيكلة السابقة ، وتصحيح مسارها ، وهذا اكبر دليل ، على الخلل الذي رافق تلك الهيكلة .
الا ان ما جرى خلال هذه السنوات الثلاث ، من مماطلة في التصحيح ، قد خيب الامال ، بعد ان استطاع المتنفذون الالتفاف على قرار معالي رئيس مجلس الادارة ، وتفريغه من مضامين العدل المنشود ، وترافق ذلك مع اجراءات غير قانونية ، مارسها المستشار القانوني في الشركة ، الذي تم تعيينه قبل ثلاث سنوات ، من خلال اجباره للموظفين المستقيلين والمتقاعدين ، على التنازل عن قضاياه في المحاكم ، كشرط لاستلام حقوقهم المالية ، ولكم يا دولة الرئيس ، ان تتصوروا حال موظف ، وصل الى سن الستين ، عاش الظلم لسنوات عديدة ، وها هو يغادر موقع عمله ، وشعور بالقهر وغياب العدالة ، سوف يرافقه مدى حياته ، ثم بعد ذلك يجبر على اسقاط قضاياه في المحاكم ، وقد خسر حقوقه التي طالب بها لسنوات طويلة خلت ، وخسر ما ترتب على اجراءات عقابية مارستها الادارة ضد من رفعوا القضايا ، حين حرمتهم من كثير من المزايا ، حتى من دورات تدريبية متواضعة ، في مركز التدريب التابع للشركة ، وسيخسر ايضا الالوف من الدنانير ، كاتعاب للمحامين الذي اوكلت لهم القضايا ، في نفس الوقت الذي اتبعت فيه الدائرة القانونية في الشركة ، سياسة المماطلة مع القضاء ، من خلال تاجيل الجلسات بمختلف المبررات ، فهناك قضايا لعاملين وانا منهم ، لم يصدر فيها قرار بدائي منذ حوالي خمس سنوات ، وترافق ذلك مع اشاعات تبث ، تسيء لقضائنا العادل المشهود بنزاهته ، وتسيء الى المحامين ايضا .
لقد عمل الاستاذ فهد ابو العثم ، رجل القانون المخضرم ، مستشارا قانونيا للشركة منذ بدايتها ، وحتى الى ما قبل خمس سنوات ، فرض فيها احترام القضاء على ادارات الشركة المتعاقبة ، بما فيها الادارة الاجنبية في عهد الخصخصة ، ولم يمارس اي ضغط او عقاب ، على كل من رفع قضية ضد الشركة ، وكان الجميع يحترم قرار القضاء ، الذي لم يكن دائما في صالح الموظف ، وفي ذلك كان احتراما ايضا ، لرجال الدولة الاردنية ، الذين تعاقبوا على قيادة الشركة في مراحل سابقة ، اما الان ، فان هذه الممارسات التي تجري ، تنم عن عدم ثقة بالقضاء ، وتشكيك بنزاهته ، خاصة امام المستثمر الاجنبي ، الذي كان يحترم قرارات القضاء ، ويصرح بذلك علانية ، وهو الان يشارك في حملة الضغط هذه .
لقد اشتدت الحملة على من رفعوا قضايا هذه الايام ، بعد ان اقترب موعد اعلان تعديل الهيكلة ، فيمارس المستشار القانوني حملة ضغط على هولاء الموظفين ، لاسقاط قضاياهم ، مقابل حصولهم على الفتات من حقوقهم ، والا سيظلون على حالهم ، او يتعرضون لعقوبات اضافية ، وقد استجاب العديدون لهذا الضغط ، اما خوفا على مستقبلهم الوظيفي ، او نيلهم ما يريدون ، وما زال العشرات يرفضون التنازل عن قضاياهم وحقوقهم ، ويعيشون بين نار الخشية على مستقبلهم الوظيفي ، ونار ضياع الحقوق . اننا نناشدكم يا دولة الرئيس ، التدخل لوقف هذه الممارسات التعسفية ، وفرض احترام القضاء الاردني ، على المواطن والاجنبي ، فاسقاط القضايا يجب ان يكون تعبير عن المصالحة والرضى ، وليس بالاكراه ، وان كانت شركة البوتاس لا تريد انصاف هولاء المتظلمين ، لعدم قناعتها بمطالبهم او لاي اسباب اخرى ، فلتترك الامر في ذلك للقضاء ، الذي سيرضى بحكمه الجميع .
كما نناشد دولتكم ، التدخل ايضا لانصاف من تعرضوا لهذه المظلمة ، واجبروا على التنازل عن قضاياهم وانا منهم ، بالاكراه او بعد انتظار طويل ، ساهم بزيادة الضغوط المالية عليهم ، ولم يستطيعوا الانتظار لسنوات اخرى ، في ظل مماطلة الشركة بالاجراءات القضائية ، خاصة ان مطلب الاسقاط ، لم يشمل قلة من المستقيلين ، لاسباب لا نفهمها ، وفي هذا تمييز واضح ، وقهر اضافي .
هل تقبلون يا دولة الرئيس ، ان ترفض شركة كبرى محترمة ، تعتبر من اعمدة الاقتصاد الوطني ، منح مهندس عمل لديها 26 عاما ، شهادة خبرة بعد استقالته ، بحجة انه لجأ للقضاء الاردني ، وبالتالي اغلاق فرص العمل لديه ، وهذا ماحصل معي ، فالى اي شرع او قانون تستند شركة البوتاس في موقفها هذا ؟ اننا على ثقة ان دولتكم ، ان اتيحت لكم الفرصة لقراءة هذا المقال ، فلن تترددوا في انصاف من التجأ اليكم ، وهدذا ديدنكم دولة الرئيس ، وانتم الاوفياء الصادقون ، القابضون على جمر الاخلاص للوطن وقيادتنا الهاشمية المظفرة .
m_nasrawin@yahoo.com