أيها الأبناء ارحموا إرث الآباء
لكل ابن ارث ابيه الخاص سواء كان على مستوى حارة او حي او محافظة او وطن او ضاق على مستوى اسرته الصغيرة , وكلما اتسعت دائرة الارث الابوي كلما ضاقت الفرصة بالتصرف بهذا الارث , ليصل حد الوديعة والامانة عند الابناء , فلا يجوز العبث فيها او الانفاق منها على خلاف نهجها وروحها وبما يخالف منهجها .
ثمة نماذج في مجتمعنا نجحت في الحفاظ على ارث الأب بما يليق واضافت الى هذا الرصيد استثمارات انسانية ضخمة , فكان الابناء , استمرارا لمسيرة , وتواصلا لنهج , وليس امتدادا بيولوجيا كل اوراقه محفوظة في دائرة الاحوال المدنية فقط , بل واحيانا يتعدّى الابناء على هذا الارث وينفقون منه حتى يصبح رصيد الاب بعد الرحيل خاليا ويصبح الابناء نقمة على الاباء .
المسافة بين الإرث والتوريث كما المسافة بين الارض والمريخ , والخلط بينهما نقصان في العقل واكثر من النقصان , فثمة وصول الى الغاية من خلال الارث اسمى واكثر كلفة من الوصول الى الهدف بالتوريث فالاخير انتقال يقع في خانة بيولوجية لها امتدادات اقتصادية اما الوصول الى الغاية عن طريق الارث فهذه قيمة قابلة للانعكاس السلبي تماما مثل الوارث الفاسد الذي ينفق ما جمعه الاهل ويجلس على الاطلال باكيا .
في اذهاننا اسماء لها وَقعٌ خاص وترنيمة عذبة لمخارج حروف الاسم على اللسان وفي الوجدان , ونجح الابناء في الاضافة الى الترنيمة الكثير ولا اريد ان اذكر بالاسماء , وثمة اسماء شديدة العذوبة صارت في غابر الذاكرة لان الابناء عجزوا عن اكمال مشوار الذاكرة التي نسجها الاباء او انفقوا من رصيد الذاكرة دون وعي وعلى طريقة الوارث المسرف والمبذّر , ورصيد كثير من الشخصيات ملك عام واقرب الى الارث المملوك على الشيوع وغير خاضع لحق التصرف من الورثة فهو ليس عقارا او مالا , ولعل قيمة كثير من الشخصيات التي تختزنها الذاكرة لم تترك من الارث المنقول الكثير ومعظمهم مات على وعد مع الدَين .
صحيح ان العرب قالت في احد بيوت شعرها , ليس الفتى من قال كان ابي , وهو قول دقيق لأن التكملة كانت , من قال ها اناذا , بمعنى ان الاكتفاء بإرث الاب منفردا لا يكفي قوتا وزوادة لزمن قادم لشخص اراد ان يستثمر في الارث وعليه ان يضيف لمساته الخاصة ليكتمل المشهد وتكون الصورة ناصعة وكافية , لانهم قالوا في مواضع آخرى كثيرة ما يكشف الفخر بالنسب والاباء ووصولا الى الخؤولة .
في ذاكرتنا اسماء جلست بوقار , منهم من كان على مقاعد الحُكومات ومنهم من جلس على مقاعد المعارضة ومنهم من انتقل بين المقعدين وفي كل الاحوال حافظوا على وقارهم وارثهم الشخصي والابوي , ولا نريد من ابنائهم العبث بهذا الارث لشراء مقعد او تحقيق مأرب من رصيد الاباء , وعليهم دفع فاتورتهم السياسية من جيوبهم وليس من رصيد الاباء او الاجداد , فهذه ارصدة مملوكة على الشيوع .
نحتاج الى الارث السياسي والى الارث الوطني في لحظات عصيبة كتلك التي نعيشها كي نتزود بما يكفي لاجتياز المفترق الصعب , نحتاج الى نغرف من مخزون الذاكرة كي نتعلم كيف بنى الاباء والاجداد وطنا بالانتماء والحكمة وبتقديم الارض على ما سواها , ولا نحتاج الى شطط قد يُغوي بعض الفضائيات وبعض الرؤوس الحامية وطنيا او وظيفيا , وان اراد احدهم او اداهن ان تفعل ذلك , فلتكون الكلفة من رصيدهم الذاتي وليس من الرصيد الوطني حتى وان كان ينتمي اليه بيولوجيا وفي اوراق الاحوال المدنية .