يليق بك الشموخ يا أم معاذنا
حين ولدتِهِ، باكيا، كعادة المواليد الجدد، افترّ ثغرك عن ابتسامة فخر، وأنت تقدمين للعائلة رجلا مستقبليا، ولم تعرفي حينها أنك أنجبت بطلا جديدا ينضاف إلى قائمة الفخر من هزاع ووصفي والسلطي والعجلوني، وصولا إلى معاذ. لم تدركي وقتها أن المولود الجديد سيتقاسمه وطن كامل.
قبل 26 عاما جاءت بشارة معاذ، من غير أن تدركي ماذا تخبئ له الأيام، وكم سيكون نصيبه من العز والفخار. يا الله كم من الصعب أن نتنبأ كيف يكون شكل الأبطال وهم ما يزالون أطفالا!
سيتعين عليك أن تنتظري أكثر من ربع قرن لتعرفي أنك أنجبت أسدا؛ وضعتِ طفلا جميلا بعيون صقر، وشعر أسود. كبر وترعرع أمامك، ليغدو شابا وسيما، وعريسا يزين منامات الصبايا.
لم أعرف معاذ، لكنه اليوم أقرب من النبض للقلب، فابنك يا أمي سيعلّم أبنائي معنى التضحية والإباء والشموخ.
إنه الفتى الذي أبكانا جميعا؛ قهرا وليس خوفا من الإرهابيين الذين لا يربطهم بالإنسانية شيء، إلا الشكل، فيما عقولهم وقلوبهم مليئة بالحقد والكره.
سيتعلّم أبنائي، والأردنيون جميعهم، كيف سطّر معاذ بتضحيته ملامح جديدة للأردن، وكتب بروحه العطرة بابا جديدا من تاريخ الأردن الذي لن ينساه.
ومعاذك معاذنا، وفقيدك فقيد الأردن والعالم. بالأمس كانت بيوت الأردنيين جميعها بيوت عزاء لمعاذ. كلنا بكيناه بدم قلوبنا، وقرأنا الفاتحة على روحه الطيبة، فالفاجعة لم تستثنِ أحدا، وشملت العالم بألمها.
لا تحزني يا سيدتي، فكل أمهات الأردن فقدن معاذ. لقد خرج ابنك من حضنك إلى أحضان الأردنيات جميعهن. حين حلّق بطائرته عاليا، علّمنا أبجديات حب الوطن وحمايته والتضحية لأجله، فترك لنا، وللأجيال من بعدنا، دروسا في الفخار والانتماء وكيفية بناء الأوطان.
منذ رأيتك على إحدى شاشات التلفزة وأنت تنشدين الأمل بعودة معاذ، قدّرت كم أنت مربية قوية وجسورة، وعرفت، من تقاسيم وجهك، كيف تربى معاذ على الشجاعة والعنفوان.
رغم الألم واللوعة وحرقة قلب الأم على ولدها، أعرف أنك ستنهضين. وأعلم، أيضا، أن من أنشأت معاذ أقوى من كل الإرهابيين والقتلة، ستربي غيره على حب هذا الوطن. ولم يتأخر الجواب، فبالأمس كان شقيق الشهيد يعلن أنه أول المتطوعين لقتال أولئك الإرهابيين.
قوة معاذ ليست صدفة، بل هي نتاج ما صنعت يداكِ، وهي قوة الحب التي سكبتِها في وجدان معاذ وأشقائه. معاذنا، وفي أصعب اللحظات، لم يهن ولم ينحنِ، وظل صامدا كشجرة سنديان عتيقة، ليقول لكل من شاهده إن الأوطان لا تبنى إلا بالتضحيات وبالرجال.
لا تهني يا أمي ولا تحزني، فللشهيد تنطلق الحناجر بالأغنيات، وتدور الألسن بالزغاريد. الشهداء هم من ينيرون دروبنا لكي يعبر الوطن، سالما معافى، إلى المستقبل، وجيل اليوم الذي لم يشهد كم قدّم السابقون من تضحيات سوف يتخذ معاذ نبراسا وشاهدا على ذلك.
الأردنيون اليوم لا ينعون معاذ، بل يزفونه شهيدا وعريسا إلى جنات الخلد. يودعونه وهم يتذكرونه عنوانا للحرب على الإرهاب والفكر الظلامي اللاإنساني. يا أم الشهيد افرحي فلك العز والفخار، وللقتلة والمجرمين وصنعة الخراب، الخزي والعار.
سيدتي ضعي الملح على الجرح، وانهضي عزيزة أبية، فأنت نذرتِ للوطن نسراً أبياً، وهو آثر أن يقدم روحه للوطن لتبقى محلقة بيننا تحمينا من القتلة والمجرمين.
معاذ لم ينحنِ، وأنت أيضا أيتها الشاهقة يليق بك البهاء والشموخ. واعلمي أن صورة معاذ ناصعة وذكراه خالدة.. فنحن جميعا أبناؤك وبناتك وإخوة لمعاذ، فانهضي يا أم الشهيد.