ذكاء السيسي في مَعْلم الغباء الأميركي
بعيدا عن تحليلات الساسة بانقلاب الموقف المصري الرسمي تجاه الغرب الاميركي وسعيه لإحياء علاقة اعتراها الصدأ مع النظام الروسي، فإن اشارة العشاء الرسمي الذي اقامه الرئيس عبد الفتاح السيسي للرئيس الروسي بوتين كافية لايصال رسائل كثيرة تؤكد هذا السعي، بل وتقول بالفم الملآن ان مصر اختارت مكانا صادم الدلالة لاقامة العشاء الرسمي للرئيس بوتين، فبرج القاهرة بُني بأموال قدمتها المخابرات الاميركية على شكل رشوة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فأقام بها البرج ليكون شاهدا على غباء الاميركان.
الادارة المصرية تؤكد دائما عداء الادارة الاميركية لها وعلى استقبال رسائل صادمة من الكونغرس الاميركي والمطبخ السياسي على عكس البنتاغون، وثمة احاديث عن محاولات اردنية لتقريب وجهات النظر، يبدو ان الادراة المصرية قد سئمت من انتظار نتائجها فأدارت دفة السياسة باتجاه الدب الروسي مصحوبا ذلك مع تصريحات للقائم بالاعمال المصري في ايران تُظهر تحولا ايجابيا في العلاقة مع المحور الروسي كاملا بما فيه ايران وسوريا .
مصر تؤكد علنا ان الادارة الاميركية تقف خلف جماعة الاخوان المصرية وتدعمها بدليل استقبال وفدها في الكونغرس مع رفع شعار رابعة داخل كرادورات الكونغرس، وهذا ما يمنح الجماعة صلابة في موقفها الرافض لاي حلول سياسية في الداخل المصري كما انها تؤكد همسا دعم واشنطن للارهاب في سيناء، بحيث تبقى الادارة المصرية تحت الضغط لرفع معنوية الاخوان في مصر وشوارعها .
السيسي اعاد احياء دلالة برج القاهرة مجددا كمعلم على الغباء الاميركي من وجهة نظره وارسل رسالة صادمة لواشنطن بأنه تلميذ في مدرسة عبد الناصر، لاحياء الروح المعنوية عند شارع مصري ما زال على وعده مع الرئيس الراحل الذي ارهق واشنطن كثيرا والهب وجدان الشارع المصري ونجح في حربه مع الاخوان وهذه كلها مجتمعة ابرز المواجهات التي يخوضها السيسي داخليا وخارجيا، لكن ظروفه اصعب من ظروف عبد الناصر من حيث قوة الاخوان الداخلية والخارجية، فالجماعة تحظى بدعم دول اقليمية وازنة بحجم تركيا وبدعم مالي واعلامي غير مسبوقين من دولة قطر .
عشاء البرج في طابقه الاخير، سمح للرئيس الروسي ان يرى القاهرة كلها مجددا، ومنها سيرى الاقليم بإشتعالاته وتحالفاته الجديدة التي ارهقت روسيا وارهقت مصر ويدرك بوتين اكثر من غيره حاجته لاحياء حلف مع مصر لقلب المعادلة الشرق اوسطية بمجملها، فمهما بلغت درجة تحالفه مع ايران فإنها تبقى قاصرة عن التأثير في السياسة الشرق اوسطية ليس بحكم الهالة السوداء التي تُحيط بالموقف الايراني المذهبي بل بحكم ان ايران بدورها تسعى الى التقارب مع واشنطن من خلال الملف النووي الذي بدأت عقده بالتفكك رويدا رويدا وهذا يعني خروج ايران نسبيا من الحلف الروسي او تثاقل خطواتها حياله .
البرج ودلالته ستحظى بقراءات سياسية عالية الدقة في دوائر صنع القرار الاميركي وستدفعها الى اعادة توزين موقفها مع مصر من حيث موقفها من جماعة الاخوان مقابل موقفها من نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهي معادلة صعبة اذا ما انتقل عشاء البرج الى خطوات على الارض، فالمزاج المصري الآن لا يحمل عداءً للرئيس السوري بشار الاسد ويسعى الى التأثير على المحيط الخليجي ونجح مع الكويت وربما ينجح مع دول اخرى خاصة وان الاردن الحليف للسيسي يشاطره الرأي بضرورة اعلاء قيمة الحل السياسي في سوريا ودعم المشروع الروسي .
زيارة بوتين لمصر كانت ستبقى تحت سقف الزيارات العالمية التقليدية لولا عشاء البرج الذي نقل الزيارة من حدودها الثنائية بين مصر وروسيا الى مسافات ابعد وصولا الى واشنطن وحليفتها اسرائيل بانتظار الاجابة الاميركية على رسالة عشاء البرج والتي لن تتأخر بأي حال من الأحوال.