قراءة متحفظة لرواية جريئة كتبها فيصل الشبول
قبل أيام حظيت بشرف إهداء مدير عام وكالة الأنباء الأردنية "بترا" الأستاذ فيصل الشبول ، روايته بعنوان"خبز وخوف "، وتربطني به علاقة تعود إلى عام 1993 حيث عملنا معا في صحيفة الأسواق التي لم يعد لها وجود هذه الأيام بسبب سياسات القائمين عليها آنذاك.
كنا قد تحدثنا قليلا عن الرواية ،وأنه لو نشرها أواخر العام 2010 عندما إنتهى منها لكانت نبوءة واضحة وغير مسبوقة للحراكات العربية التي يحلو للبعض ان يطلق عليها"الربيع العربي".
هذه الكلمات جعلتني في شوق كبير للكتابة عنها بعد قراءتها بطبيعة الحال ، ولا شك أنني كنت أتخيل أنني سأجد الكثير مما يشدني للكتابة عنها ، خاصة وأن لي رؤية أخرى عن هذا الربيع الذي أينع زهورا أمريكية وإسرائيلية ، وأثمرت عن داعش الذي أنيط به تقسيم الأمتين العربية والإسلامية ، وإخراج مشروع مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد أو الوسيع لافرق ، على أنقاض مشروع سايكس- بيكو.
بعد البدء في القراءة وجدت نفسي في عالم مختلف ،وقد شدني ما كتبه الأستاذ فيصل في الصفحة الأولى حول واقع العالم العربي المتخلف عن أي منجزحضاري يذكر في ملف المنجزات الإنسانية ، وسؤاله الخطير " أم هي المواهب التي تقتل في مهودها خشية تفاقم الوعي العربي؟
تناولت هذه الرواية صورا من معاناة المواطن العربي المتصلة منذ عقود ، تلك المعاناة التي تسد في وجهه السبل للحاق بركب الحضارة والمنجزات الإنسانية.
قبل الغوص في التفاصيل ،فإن هذه الرواية تنتمي لأسلوب السهل الممتنع ، وهذا الأسلوب في نظري من أصعب الأساليب ولا يتقنه إلا مبدع ،ويقيني أن الأستاذ فيصل حجز لنفسه مقعدا في هذا النادي ،كما أنه إبتعد عن اللغة الفلسفية المعقدة الإستعراضية ، ولم يلجأ للسفسطة ، بل أوصل رسالته بحروف نافرة يقرأها الأعمى والبصير .
لكنني سأعترف أن جرأة فيصل الشبول في تسمية الأمور بمسمياتها ، لم تجد جرأة مقابلة من طرفي ، فما قرأته جد خطير ويصور الواقع المر ، وكيف أن عمر سعيد الأمين النظيف ، جرى تدميره لأنه رفض الإنغماس في الفساد وأشيع أنه مرتش ، رغم أنه رفض الرشوة، كما أن إبنه رامي جرى جرفه للتيار بطرق جهنمية عن طريق حب فتاة كانت زميلته في الجامعة وكانت بالنسبة إليه مشروع زواج ، لكنه إكتشف في النهاية أنها مشروع من نوع آخر .
غاص فيصل الشبول في موضوع شائك وهو المخابرات وما تفعله ،ترفع من تشاء وتنزل من تشاء ، بدءا من عمر سعيد وإنتهاء بإبنه رامي وحبيبته المزيفة وأبو علي وغيره ،وكيف أن إبنه رامي حصل على مقعد نيابي بأعلى الأصوات لكنه إكتشف الحقيقة وقرر الهجرة إلى ألمانيا .
وأنا أقرأ رواية الأستاذ فيصل الشبول تذكرت كيف إشتكى عليّ مركز ضغط يهودي في واشنطن "معهد بحوث ودراسات الشرق الأوسط الإعلامية – ميمري " وقد أسسه ثلاثة ضباط سابقين من الموساد الإسرائيلي عام 1997 ويروقبون الإعلام والمناهج والمساجد ، وفي العالمين العربي والإسلامي ، ومايكتب عن إسرائيل ، وخسرت وظيفتي في جريدة العرب اليوم بطبيعة الحال ، ولم أجد من ينتصر لي رغم الضجيج المزعج حول حرية وحماية الصحفيين في الأردن .
نعود إلى رواية فيصل الشبول الجريئة وقراءتي المتحفظة لها خوفا على ما تبقى من أمل عندي ، إذ بدا الأستاذ فيصل روايته بالمواطن النظيف عمر الذي إستدعته المخابرات وغاب في الزنازين 163 يوما ، خرج بعدها إنسانا آخر ،وتبين بعد ذلك أنه رفض بحكم وظيفته تمرير صفقة مواد غذائية منتهية الصلاحية لصالح مجموعة من الفاسدين المفسدين .
يقوم الأستاذ الشبول وبطريقة ذكية بوضع رامي إبن عمر في إطار المعارض وهو في المدرسة ، ويصف الحكام العرب بأنهم مغتصبي السلطة بالقوة ويحافظون عليها بالقوة ، وأن الحكام الفعليين في الوطن العربي هم رجال المخابرات ، الذين يخيفون الحكام كل يوم من شعوبهم ،ويرون الشعوب مشاريع أعداء للحكام.
يواصل الأستاذ فيصل نثر الدرر في روايته الجريئة "خبز وخوف " ، ويقول أن النتيجة هنا هي قيام بالناس بإعلان موالاتهم لكنهم في داخلهم يضمرون الحقد ، كما أن الحكام يعلنون الأبوة والسماحة لكنهم بداخلهم يضنرون الشك والريبة .
لجأ الأستاذ فيصل إلى العظة غيرالمباشرة وكشف خفايا المجتمع ، وكيف أن هذا المجتمع يتسم بالظلم وينساق وراء الإشاعة التي يتم إيصالها له بهدف النيل من البعض ، ففي الحديث عن عمر على سبيل المثال نقرأ في نهاية الصورة بعد خروجه من المعتقل :قال عماد لشقيه بعد خروجهما من بيت عمر :واضح أن التهمة المسندة إليه صحيحة وها هو يكشف عن نفسه ..وتساءل عادل :كيف إستطاع أن يخفي حقيقته عن الناس طيلة هذه السنوات؟.
وفي صورة بعنوان "الأولاد يدفعون الثمن "يقول الشبول : قالت سعاد لا داعي للإعتذار ..رجائي الوحيد أن تهتم المدرسة بالتربية لا بالتعليم فقط ، وألا تكون المدرسة صورة طبق الأصل عن مجتمع ظالم.
الصور التي دبج بها الشبول روايته جد مذهلة ويمكن لكل صورة أن ينتج عنها عمل فني كامل متكامل ، ففي صورة دخول رامي إبن عمر الجامعة تعلق بفتاة إسمها نسرين واحبها وتعاهداعلى الزواج لكنها كما أسلفنا كانت "صنارة " للإيقاع به.
وفي صورة بوح يختم الشبول على لسان عمر : ليس لدي تفسير حتى اليوم لماذا إعتقلت ..لماذا غيروا حياتي ؟ أما الصورة بعنوان إنتقائية فيختم :ولما إستأذن رامي بالإنصراف من البيت الذي ظن أنه لفتاته ألح عليه أحمد الذي قدم إليه على انه شقيقها الكبر ، ورجاه أن يتاخر لنصف ساعة لأنه سيتحدث معه في أمر هام، وإنفرد به وأبدى إعجابه بشخصيته ثم عرض عليه كل أشكال الدعم الذي يحتاجه في الجامعة "سواء مني شخصيا أو من دائرة المخابرات التي أعمل ضابطا فيها!!!؟؟؟"
بعد الإفراج عن عمر سعيد ،غير عمله عاد للمحاماة لكنه وجد نفسه متهما بالتهرب الضريبي ، وبالتالي تم تحويله إلى المحكمة التي يرأسها قاض فاسد ،لكنه وبعد العديد من الجلسات جرى تغيرر القاضي وعرض عليه القاضي الجديد دفع مبلغ من المال يتم توزيعه على مجموعة من الأشخاص منهم القاضي نفسه ،إضافة إلى مبلغ آخر كضريبة وغرامات مقابل عدم سجنه..
هناك العديد من الرسائل التي أوصلها الشبول في هذه الصورة منها "
أن العديد من القضاة يتعرضون للضغوط ،و ما أصعب أن يبدو الوالد ضعيفا أمام إبنه ،وفكر الشاب بقتل القاضي أو نشر القصة في وسائل الإعلام ،لكنه توصل إلى أنه سيحكم عليه بالإعدام في حال قام بقتل القاضي ،وتساءل :ما الفائدة من وسائل إعلام تتحدث عن الحرية ولا تمارسها
في الصورة التي تحمل عنوان :بارقة أمل ، يلوح في الأفق حل لمشاكل عمر من خلال مسؤول حكومي ، لكن أحدا يندس بجوار عمر ذات ظرف ويوقل له لقد عرفنا بلقائك مع المسؤول وعليك أن تعي أنه لن يفيدك .
مشهد صورة الصفقة مذهل إذ يطلب رامي من "حبيبته "نسرين بدعوته مرة أخرى إلى منزلها لمقابلة ضابط المخابرات أحمد لأمر هام، وكان له ما أراد ، وحاول أن يشرح له معانة الأسرة بسبب ظروف الوالد ، وقد فوجي بأنه يعرف كل التفاصيل، ووعده بإيجاد حل شريطة عدم إخبار الوالد بشيء.
بعد أيام إستدعي رامي لمقابلة ضابط كبير في دائرةالمخابرات الذي إمتدح أمامه دور الدائرة الوطني ، وأكد له أنه يعرف عنه كل شيء ،الأمر الذي جعل رامي يوقن أنه يقف مكشوفا أمام هذا للضابط، ولذلك هيأ نفسه للإجابة على كل سؤال يوجه إليه.
يغوص الشبول فيالتفاصيل أكثر ويظهر ان رامي عقد صفقة مع الامخابرات لحل مشاكل والده شريطو أن "يقيد" معهم وهكذاكان ، وقيل لعمر بعد ذلك :لا تبك على المؤول فلان لأنه لم يقدم لك شيئا إنما إبنك الذي فعل ذلك وسيدفع الثمن طيلة حياته.
سجل رامي نجاحا مبهرا في تنفيذ ما إتفق عليه مع الدائرة وأنجز كثيرا ، وذات يوم إستدعاه الضابط أبو علي وأثنى عليه وكشف أن أبواب القدر إنفتحت أمامه وأنهم قرروا ترشيحه وفوزه في إنتخابات مجلس النواب ،وهكذا كان حيث فاز بأعلى الأصوات ، وقد إكتظت الشوارع باليافطات وعلت سطوح المباني صور رامي عمر سعيد المرشح للإنتخابت وفاز بأغلبية ساحقة.
بحركة ذكية يواصل الشبول عندما يكتب بعنوان "ضحية تبحث عن أخرى " إذ يلتقي عمر سعيد بمن حاولت توريطه بالموافقة على صفقة المواد الغذائية مقابل رشوة ، لتفضح له القصة من ألفها إلى يائها ، وكيف أن زوجها إستغلها للبحث عن فاسد يمرر الصفقة مقابل عمولة 1% ، وأنها وافقت لسوء حال والدها ووالدتها لكنها فوجئت بنكران جميل زوجها لها ، إذ رفض إعطاءها العمولة كما نصب على آخرين ، وقام بعد ذلك بتطليقها، وطلبنت منه المساعدة ف تبرئتها أمام القضاء ،لكنه صارحها القول "شهادتي لن تنفعك في مواجهة كل هؤلاء ، ونصحها بمقابلة إبنه رامي الذي دخل اللعبة ،فهو يستطيع مساعدتك وليس أنا.؟؟؟!!!
أعجبني كثيرا مادار في الصورة بعنوان "النديم"حيث قال هشام الذي هاجر إلى فرنسا لعمر أن تقدم الغرب بسبب كيلهم بمكيال واحد ،وأن سبب تخلفنا أننا نكيل لبعضنا بعدة مكاييل، فرد عليه عمر :ليست المشكلة في تعدد المكاييل بل في من يزنون الناس والمواقف.
يغوص الشبول أكثر في الصورة بعنوان المواجهة حيث وجود رامي في البرلمان وعدم قدرته على معارضة الحكومة وما ينتج عنده من إنفصام، وفي نهاية المطاف إنضم إلى المعارضة النادرة في البرلمان.
في الصورة التي تحمل عنوان الجزاء ، يدفع رامي ثمن معارضته ويجد نفسه يحاكم بتهمة الكسب غيرالمشروع ، وأدرك أنه يسدد حسابا قديما لأنه شب عن الطوق وخالف إتفاقا عقده ذات يوم لإنقاذ اسرته.
كان رامي يختلف عن أبيه وأدار معركته بطريقة مختلفة، إذ ذهب إلى القاضي في منزله وإتفق معه على المبلغ الذي سيقبل به مقابل كف الطلب حتى يتمكن من مغادرة البلد بسلام ،وإتفق معه على المبلغ و طريقة الدفع وغادر رامي وأسرته إلى ألمانيا بإتجاه واحد ،وأصبح هناك فنانا معماريا مشهورا.
أما في الصورة بعنوان غربة ، يحلم رامي وهم في الطائرة بالعودة إلى الوطن او على الأقل أبناءه كي يخدما شعبهما بعد إكتساب العلم والمعرفة، ويقول لزوجته أن كل الألم الذي ذاقه لا يساوي لحظة خوف واحدة في الأرض التي نسميها الوطن ..ولا خير في وطن لا يصون كرامة أهله ولا يوفر لهم العيش الكريم .. ويختم : نحن العرب نتغنى بالماضي ولا نفعل شيئا لحاضرنا ومستقبل ابنائنا.
جاء في الصورة التي تحمل عنوان توريث القهر أن أرملة عمر سعيد عندما فتحت صندوق مقتنيات زوجها وجدت فيه رسالة تقول : لن تقوم لهذه الأمة قائمة ما بقيت على هذا الحال ..أمة تقتل كل طموح وتطفيء كل بصيص ...أمة تستبدل بالمواهب الجهل وبالأمل اليأس وبالعلم التخلف..لن يكون لنا شأن في هذاالعالم ما دام المواطن العربي رخيصا إلى هذا الحد وما دام الظلم هو القانون والقانون هو المزاج....ويختمها : أبنائي العزاء أعترف بأنني عشت خائفا ومقهورا ومهزوما ولا أريد لكم أن تعيشواكماعشت.
في الصورة التي تحمل عنوان محاولة أخيرة ، يتلقى رامي وهو في الغربة مكالمة هاتفية جاءت من الوطن وقال له المتحدث :أخي رامي إن الوطن بحاجة إليك فعد ولنبدأ من جديد ، وعندما سأله من انت قال له :أبو عماد ، فسأله رامي وكيف حال أبو علي فأجابه :لم يعد له أي إرتباط معنا ونحن نعتذر إن كان قد سبب لك إزعاجا ، وطلب منه العودة إلى الوطن وأنهم سوف يردون له إعتباره في الجتمع لكن رامي أن في المر شيئا مريبا.
في الصورة الأخيرة التي تحمل عنوان رياح الأ مل يختم الشبول روايته بمكالمة من زوجة رامي وهو في العمل تخبره فيها أن الشباب نزلوا إلى الشوارع في بلادنا ..إنهم قالوا كلمتهم وها هم ينجحون والأنظمة تتهاوى أمام صحوتهم..إنه التغيير يا ر امي إنه التغيير ،فرد عليها رامي بأن الريح جاءت متاخرة ولكنها تحمل البشرى للولاد.. عندها خنقتني العبرة ونزلت الدموع من عيني وقلت يا فيصل أن الشباب العربي تحرك دون بوصلة تحدد له الهدف بسبب إنعدام المعارضة الحقة التي ترعف ما ذا يتوجب عليها فعله في اليوم التالي ، وهذا ما سهل على العدو إختطاف الثورات العربية وتنصيب الفيلسوف اليهودي الفرنسي بيرنارد ليفي والسيناتور الأمريكي جون ماكين والدبلوماسي الأمريكي جورج فيلتمان أيقونات لها وظهور داعش في هذا الوقت بالذات الذي يؤذن بدخول مشروع الشرق الأوسط الكبير او الجديد أو الوسيع لافرق حيز التنفيذ.