هل يستيقظ الصحفيون العرب؟
أطلق الإعلامي المعروف سامي كليب نداء للصحفيين العرب كي يستيقظوا، ويعيدوا للإعلام العربي صدقيته وموضوعيته التي افتقدها، بعد أن سقطت معظم وسائله في حروب الاستقطاب المذهبي والطائفي والسياسي.
الزميل سامي يكتب من قلب المعركة كما يقال؛ فهو كاتب في صحيفة منحازة تماما لمحور النظام السوري والإيراني، ويعمل في محطة تلفزيونية لا تقل انحيازا عن الصحيفة. لكن سامي كليب وسط هذه المعمعة، كان من بين القليلين الذين جاهدوا للحفاظ على قيمهم المهنية. وعندما كان يعمل ضمن فرق فضائية "الجزيرة"، قبل أن ينتقل للمشروع "المضاد"، حرص على أداء مختلف تماما عن بعض زملائه المتخصصين في استفزاز المشاهدين، وقدم برنامجا ممتعا حمل اسم "زيارة خاصة"، كان بحق استثنائيا ومميزا.
لكن كليب، ومثله كثيرون من الإعلاميين الموهوبين، وجدوا أنفسهم بين خندقين، وعليهم أن يختاروا.
نداء كليب الذي جاء على شكل مقال في صحيفة "الأخبار" اللبنانية، وحمل عنوان "يا صحافيي العرب.. استيقظوا"، يروي في ثناياه مرارة التجربة؛ تجربته هو وتجربة المئات من الزملاء، خاصة في الفضائيات العربية المشهورة، وكبريات الصحف العربية الممولة من دول تتصارع على النفوذ والسيطرة في المنطقة.
مثلما شكل "الربيع العربي" أملا لشعوب عالمنا بالتحرر والديمقراطية، كان كذلك للإعلاميين العرب؛ الذين حلموا بربيع إعلامي عربي يحررهم من قيود الاستبداد وسطوة المال السياسي. لكن الكارثة التي ألمّت بربيع الشعوب حلت بالإعلام العربي. فبعد أن كان إعلام أنظمة ودول، أصبح إعلام طوائف وجماعات.
لم يترك الممولون هامشا للحركة. الإعلامي الذي "يغرد" بكلمة تخالف سياسة المحطة أو الصحيفة، يغادرها مطرودا على الفور. صار الإعلامي مثل الموظف الرسمي؛ يحاسب على مواقفه الشخصية أحيانا. وأصبح ملزما بتكذيب نفسه، وما يراه من خلفه بالصورة.
محطات وصحف عريقة ألقت بمدونة المهنة والسلوك في سلة المهملات. "فوكس نيوز" أصبحت هي النموذج المقتدى. في أحيان كثيرة، يزاود الإعلامي على موقف النظام أو الجماعة التي تمثلها المحطة.
لم يبلغ الإعلام العربي درجة الانحطاط وفقدان المصداقية هذه من قبل. يمكن قياس هذا الأمر من سلوك المشاهدين وتعليقاتهم على ما يسمعون أو يشاهدون ويقرأون. الرأي العام العربي، وبسطاء المشاهدين، أصبحوا ضحايا بحق لإعلام مجنون، يحقنهم كل يوم بجرعات زائدة من الكراهية لشقيقه في الوطن والمصير.
يكفي أن تشاهد واحدا من برامج الـ"توك شو" في مصر، حتى تفكر بحمل السلاح وقتل جارك إن كان من الإخوان المسلمين. وإذا صدف وحضرت حلقة من "الاتجاه المعاكس"، فلن تتردد في مباركة التحاق قريبك أو صديقك بتنظيم "داعش". أما من يتابع محطة لبنانية أو صحيفة كصحيفة "الأخبار" أو "المستقبل"، فعليه أن يتوقع حربا أهلية في لبنان في أي لحظة.
آخر ما يفكر به الإعلاميون والقائمون على تلك الوسائل، هو المهنية والموضوعية التي يبكيها الزميل سامي كليب ونبكيها معه. هي حروب عقود؛ الوسيلة الإعلامية التي تدفع أكثر قادرة على تحويل أشهر الصحفيين إلى بوق يردد رواية هذا النظام أو ذاك.
اليوم يكون مع سورية وإيران ومحور الممانعة، وغدا مع أهل السنة والكتاب، ضد المشروع الفارسي "البغيض"؛ والعكس يحصل أيضا.
أخشى أن الوقت فات على صحوة الإعلام والإعلاميين العرب. لقد أصبحوا سببا في الخراب، لا بل عاملا رئيسا من عوامله.