وإلا بماذا تفسرون هذا الكلام؟
كأنها بلاد لم تكن فيها دول وحكومات وجيوش من قبل. وإلا بماذا تفسرون هذا الكلام؟
حكومة العراق الغني بالثروات النفطية، وصاحب أقوى جيش في المنطقة لسنين خلت، تستنجد بكل جيوش العالم ومليشياته كي تحرر مدينة من يد عصابة. الأميركي والتركي والإيراني، وحزب الله، مدعوون جميعا لحفلة تحرير الموصل.
تكريت بالتوصيف الدقيق بلدة وليست مدينة. ومع ذلك، فإن تحريرها من قبضة "داعش" تطلب وقوف الجنرال قاسم سليماني على رأس القوات الإيرانية المحاربة أياما وليالي. وفي غيبة الجيش العراقي الطويلة، تندفع مليشيات "الحشد الشعبي" لتملأ الفراغ.
في اليمن هرب رئيس البلاد من العاصمة صنعاء، بعد أن سقطت في قبضة الحوثيين. وتبعه وزير الدفاع بعد أيام. وزير الدفاع المسؤول الأول عن الجيش اليمني، لم يجد من يحميه في رحلة الهروب غير أبناء قبيلته. قائد الجيش الذي تبين أنه قوة افتراضية، كان يتخفى وسط الطرق المتعرجة، كي لا يقع في يد جنوده!
في العاصمة الجديدة عدن، لا جيش ولا قوات أمن. أول من أمس، كان الرئيس عبدربه منصور هادي يشرف بنفسه على تشكيل قوة من المتطوعين لتأمين الحماية لعدن. رئيس لمن، وعلى من، إذا لم يكن هناك جيش تقوده، أو حكومة تدير شؤون البلاد؟!
مصر التي يزيد عمر الدولة فيها على آلاف السنين، تحتاج اليوم إلى نحو 300 مليار دولار لإعادة البناء، على ما يقول رئيسها. هذا يعني أن البلاد كانت خرابة؛ فمبلغ كهذا يكفي لتأسيس دولة جديدة بكامل قيافتها. أين صُرفت المليارات طوال العقود الماضية؟ وماذا عن خطط التنمية، والمشاريع الكبرى؛ السدود والطرق والمصانع، التي غمرت شاشات التلفزة الوطنية الاحتفالات بتدشينها؟
ليس منطقيا القول إن حكم الإخوان المسلمين، الذي لم يكمل سنة واحدة، كان السبب وراء خراب مصر. المشكلة أبعد وأعمق من ذلك، وتعود في جذورها إلى عقود سبقت. لكن ما حصل في مصر وسواها من بلدان عربية في السنوات الأخيرة، كان مناسبة لتبديد الأوهام؛ أوهام التنمية، والعدالة المصطنعة، والمشاريع الكاذبة.
لم تكن دول ولا حكومات؛ مجرد هياكل من الكرتون المقوى. كيف لها أن تكون دولا، والزعيم الملهم في واحدة منها تزيد ثروته على سبعين مليار دولار. هذا ليس كلاما في الهواء، وإنما تقرير للجنة أممية عن ثروة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
التنمية الحقيقية في تلك الدول كنا نراها على وجوه أفراد الحرس الجمهوري المكلفين بحماية الزعماء، والسادة الكبار. أسلحة من أحدث طراز، وحياة خمس نجوم، بينما الفقر والجوع يلفحان ملايين الغلابى من المواطنين.
في مصر، كان الوضع على نفس الشاكلة. أفراد الأمن المركزي بأكتاف عريضة كأنهم من قوات المارينز، فيما ينخر الكبد الوبائي وأمراض فقر الدم جموع المصريين. هل سمعتم عن بلد ما يزال الناس فيه يموتون بإنفلونزا الطيور؟ في أفقر دول أفريقيا تم القضاء على الفيروس. في مصر، تسجل حتى الآن حالات وفاة بإنفلونزا الطيور!
من يصدق أن الديمقراطية يمكن أن تزدهر في دول كهذه؟ قبل أن ننهمك في الجدل حول شكل النظام السياسي وطريقة الحكم، يتعين علينا أولا أن نؤسس دولا.