تبريد الملفات الساخنة
بكل التفسيرات السياسية، ليس من مصلحة البلاد والعباد تسخين الملفات الداخلية، خاصة الملفات الاشكالية، التي تستقطب أصواتًا، مستفِزة (بكسر الفاء) جاهزة للتحشيد والتموضع، وجاهزة أكثر لبث السموم.
المتابع للأحداث السياسية في البلاد، يستشعر أن هناك من يعمل على تبريد الملفات التي يتم تسخينها فجأة، لحسابات جديدة، وهذا يدل على أن هناك عُقّالًا في مراكز صنع القرار، لا يسمحون بالوقوع في أخطاء، ويتحاشون ــ في الوقت المناسب ــ الذهاب إلى قرارات صعبة، مؤلمة، قد تخلق وراءها تداعيات ليس من مصلحة أحد النفخ فيها.
واضح تمامًا أن هناك تراجعًا منظمًا ودقيقًا في ملف رفع الحصانة عن الستة نواب، بعد ان ارتفع الصوت مشككًا في الجدوى التي ستعود على الحياة السياسية والبرلمانية اذا تمت الموافقة على رفع الحصانة.
قد يختلف كثيرون على ما يقع فيه نواب من اخطاء سياسية وتكتيكية ومطبات ومواقف لم يتم توزينها جيدا، ويختارون الوقت غير المناسب لاطلاقها، لكن معالجة هذه الاخطاء بانفعالية، وتضخيم، قد لا تعود بالنفع على الحياة السياسية عموما، خاصة ان اي تكييف لقضية النائب طارق خوري تحديدًا لا يمكن ان تخرج عن قضية حرية الرأي والتعبير.
حتى في ملف الاخوان المسلمين، يستشعر المراقب لتفاصيل القضية ان هناك تبريدًا وهدوءًا في هذا الملف على الأقل، من قبل الاطراف الرسمية التي ذكرت منذ اليوم الاول ان هذه قضية داخلية تنظيمية، وعلى الجماعة ان تحل مشاكلها وحدها، وهذا الموقف مهما كان عدد المؤيدين له فانه يدل على حسن ادارة من قبل المعنيين بالقرار الداخلي، ولم تخرج الرؤية عن تحجيم الجماعة وابقائها تحت اليد.
متفائلون اكثر يتوقعون ان يذهب التبريد الى قرار قضائي بالموافقة على تمييز قضية نائب المراقب العام للاخوان زكي بني ارشيد، وان ترتفع الجماعة لسماع صوت العقل اكثر، وتقبل بالحل الثالث بين همام سعيد وعبدالمجيد ذنيبات، وتوافق على عبداللطيف عربيات مراقبًا عامًا.
متفائلون اكثر واكثر، يشيرون الى تغييرات متوقعة في الطوابق العليا لبعض المراكز القيادية، سوف تلقى ارتياحًا شعبيًا، ورضا عن شخوصها، بعد ان جاء التعديل الوزاري الاخير بلا اي تأثير، ولا قيمة سياسية ومعنوية للحكومة والاداء العام.
لنتذكر ان قوانين الاصلاح التي ارسلتها الحكومة الى مجلس النواب (البلديات واللامركزية) تحتاج الى مرحلة سياسية هادئة ومتزنة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، للوصول الى قوانين عصرية تساهم في توسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار، من اجل الوصول الى مرحلة ايجابية تستطيع ان تنتج قانون انتخاب عصري وتقدمي ترضى عنه اكثرية الاطراف المشتغلة بالحياة السياسية.