لغايات التعذيب فقط!
في كل الأزمات الطاحنة التي مرت على الانسان العربي خلال المئة عام الاخيرة، من حروب واحتلالات ونكبات ومذابح، وفقر وبطالة وجوع، وجد هذا الانسان ملاذا في مكان ما، في كل هذه الدنيا، عن مكانه المبتلى.
الفلسطينيون خرجوا ،وهاجروا الى دول الجوار وكل الدنيا، ويحمل هؤلاء اكثر من مئة جنسية في العالم، ويتحدثون ربما بعشرات الالسن واللغات.
السوريون وجدوا اماكن متعددة، ايضا، والعراقيون تسربوا الى دول الجوار واوروبا واميركا، والامر ينطبق على البقية بشكل او آخر، من المشرق الى المغرب.
والقصة ليست قصة الاحتلالات او خراب الدول فحسب، بل ان الجوع او الاضطهاد السياسي او البطالة، أطلق حالة من الهجرة الى دول غربية وعربية، والعربي وجد مرارا ملاذات في دول عديدة في دول عربية أخرى، او في انحاء الدنيا.
هذه الأيام لم تعد هناك ملاذات، هذه هي الفكرة والهجرة الى اوروبا وأمريكا لا تساوي رأسمالها، لأن من فيها يعانون من اوضاع صعبة، بل انك تجد الغربيين يفرون الى دول خليجية للعمل، والعربي لايحصل على تأشيرة أساسا، واذا حصل عليها، يذهب الى بلد، من اجل ان يعمل في مطعم او محطة وقود، فلا يأتي بنفقاته، والقصة تمتد الى الدول العربية الثرية التي باتت بشكل طبيعي جدا تجد بدلاء اقل كلفة، عن العرب، فيتم تشغيلهم، بأجور اقل.
معنى الكلام ان كل الخراب الحالي في العالم العربي، كل الحروب، كل الفتن الدموية، كل الجوع والفقر والاضطهاد، كل هذا الحياة غير الانسانية، لم يعد لها حلول ولا اطواق نجاة امامها، فالهجرة غير متاحة والبوابات مغلقة، وفي حال فتحها، فهي مفتوحة نحو جوع جديد، او قل هجرات غير مجدية، وكأن هذا القرن، قرن الموت في المكان، دون ملاذات وبدائل آمنة.
هي محنة إذن، فالإنسان العربي مشكوك به، جراء تشويه سمعة العرب والمسلمين، واذا حظي بشفاعة وسافر بعد حصوله على تأشيرة، فلن يجد سمنا ولا عسلا، بل يجد جوعا آخر في دول تفيض بديونها وخراب حياتها الاقتصادي، وهو ايضا لم يعد يجد ملاذا في ذات عالمه العربي، وهذه الأيام قد يموت العراقي ولايجد ملاذا في سورية، والسوري قد يموت ولايجد ملاذا في مصر التي لا ترحب به.
هي إغلاقات إذن لألف سبب.أامن وكراهية وسوء أوضاع اقتصادية،مثلث الإغلاقات في وجه العربي. لم يعد هناك متنفس أو ملاذ لأي إنسان، لا بعقد عمل، ولا بتأشيرة، ولا بدخول طبيعي الى مدينة عربية آمنة تكفيه شر مدينته المبتلاة.
وكأن المنطقة تلعن من فيها، بحيث يكون قدر الباقين فيها قسراً أن يموتوا غرباء في أوطانهم، ولم تعد هذه الدنيا، تمنح الإنسان فيها، ملاذا، ليهرب ويعيش، وحيثما وليتم وجوهكم فثمة باب موصد لسبب او آخر.
هو قرن تصفية الحسابات، والإغلاق لغايات التعذيب، والفرز وختم الشهادات.