اليد تواجه المخرز
للون الشفق عند المغيب لون خاص، ولعرق الثائرين طعم الملح وان كان كذلك فهو مداد لقصيدة عاشق يستلهم من ذاك الإصرار لوناً عاطفياً خاصاً، حتى وان كانت طريقه معبدةً بملايين حقول الألغام، المهم أن يتابع المسير في درب قد يكون آخره غير واضح المعالم ومحفوف بالمخاطر، من غير هؤلاء يستطيع المشي على الجمر؟ أو تحدي المستحيل نفسه، هم الأطفال الصغار.. وزنود الشباب السمراء ونظرة الشيوخ المتأملة .. والتي يرون المستقبل بفعل الأبناء .
ما كادت الأيام الأولى تموز من العام 2011 تبزغ شمسها حتى انطلقت أولى فعاليات المقاومة الشعبية في كفر قدوم بمشاركة شعبية وصفت بالممتازة إلا أنها لا تضمنُ استمراريةً لأشهر أو سنوات قادمة، فأنت في مسير طويل تحتاج إلى الصبر زاداً، وتحمل الألم والمعاناة ماءً لك في هذا المسير الطويل، وما أن انتهت صلاة الجمعة الأولى من تموز حتى خرج من خرج باتجاه مدخل البلدة الشرقي والذي أغلق قبل أعوام لتمكين المستوطنين من السيطرة على ما تبقى من الأرض ونهبها، وقبل الوصول إلى المكان المقصود فاجأ الجيش والعسكر المدججين بالذخائر الحارقة والخارقة .. ومسيلات الدموع المشاركين في المسيرة وانهال جنونهم الصهيوني على المواطنين وعلى المنازل ولم يبقَ مكان إلا ومارس جيش الاحتلال عبثه المقيت فيه.
هب أهلي البلدة لمساندة المشاركين في المسير فلم يغيروا في الأمر شيئاً، وظل الحال كما هو حتى غابت شمس الجمعة وانتهت المسيرة موقعةً جريحاً هنا وآخر هناك، وخسائر في الممتلكات لم تكن عائقاً أمام المسيرة القادمة، بل بالعكس ولدت المسيرة الأولى وقوداً لمسيرات قادمة وضمن من يديرون المقاومة الشعبية في البلدة وقوداً لمسيرات أخرى قادمة لكن بقي السؤال مشرعة أبوابه ماذا بعد عام ؟ .
أنهت كفر قدوم عامها الأول بامتياز نظراً للعزيمة والصبر التي توفرت لدى أهالي البلدة والذين انخرطوا في المسيرة الأسبوعية، كذلك استطاع مهندسو المقاومة الشعبية في البلدة من تجييش أكبر قدر من المساندة لصالح مقاومتهم الوليدة، فاستطاعوا أن يجذبوا الإعلام إلى بلدتهم واستقدموا الرسميين والمتضامنين الأجانب، الأمر الذي جعلهم رقماً متقدماً في قوائم المقاومة وعنواناً رئيسياً مميزاً في وسائل الإعلام، وكان على الجميع السير بخطى الواثق نحو النصر وان طال المسير، فحتمية النصر هي الواردة والاحتلال إلى زوال محتوم .
مرت الأيام والشهور وظلت كفر قدوم في المقدمة والاحتلال لم يبقِ في جعبته شيئاً إلا واستخدمه وفي كل مسيرة يزيد وتيرة القمع والترهيب، تزيد المقاومة ويشتدُ بأسها، فكانت النتائج مخالفةً لتوقعات الاحتلال وجنوده كلما زاد القمع زاد الإصرار على المشاركة في المسيرة، هي رسالة كان على الاحتلال أن يفهمها، وأن يعي بين كل سطر وسطر فيها، وأن ما كان مباحاً قبل أيام ممنوع اليوم..!! وأن التاريخ لا يرحم ذليلاً خانعاً، اللحم وان كان طرياً يستطيع أن يواجه البارود وكذلك فاليد تواجه مخرز ..!! .