"خليها لبكرة وبنشوف.."
قد لا يمتلك أي سياسي أو خبير أو مفكر استراتيجي الاجابة على سؤال الاردنيين الدائم "وين رايحة البلد…" وهذا الواقع متناغم مع الحالة السياسية، والعامة، وأيضا الخاصة في البلاد التي تعمل ضمن نظرية "خليها لبكرة.."
و"خليها لبكرة" نظرية من لا يعرف ماذا يفعل في أية قضية تطرح أمامه، وتسمعها من المستويات كافة، ومن شتى المتفائلين والمتشائمين.
إذا أردت طلبا من صديق في أية قضية كانت، خاصة أم عامة، وتلعثم في الوصول إلى إجابة، يبادر فورًا، ليقول لك: "خليها لبكرة وبنشوف.."
إذا وعدك مسؤول أو أي شخص لك عنده حاجة وتطلب منه المساعدة، ولا يستطيع تلبية طلبك، ولا يريد أن يعترف بعدم إمكانه تلبية ذلك، فإنه ينسحب بوعد "خليها لبكرة…"
و"خليها لبكرة.." تسمعها من الوزير والسياسي والاقتصادي ورجل الشارع وحارس العمارة، وتُسمعها أنت لزوجتك وأولادك وللبقال الذي تستدين منه، ولمحاسب المدرسة الذي لم تستطع أن تسدد له باقي أقساط أبنائك…
الحكومة أيضا تعمل ضمن نظرية "خليها لبكرة"، فهي فهمت الطلب الملكي من الوزراء والمسؤولين بضرورة التواصل مع الناس، وعدم البقاء في المكاتب، بأن اصبح العمل الحكومي رحلات جماعية في باصات النقل العام، من الكرك الاسبوع الماضي، الى عجلون امس، حيث اصطحب الرئيس اغلبية الطاقم الوزاري للقاء المواطنين.
ما بين "خليها لبكرة" و"وين رايحة البلد"، تشاهد حجم التجهم على وجوه الناس، وترى الترقب في العيون، والقلق من بكرة، والحيرة في الإجابة عن المستقبل.
"وين رايحة البلد" سؤال تصعب الإجابة عليه في ظل الضباب الذي يلف القضايا الاقليمية حولنا، فالمعركة الفاصلة مع عصابة داعش الاجرامية في الانبار لا بد ان يكون لها انعكاسات وارتدادات علينا، اقلها حركة لجوء جديدة، والحرب المستعرة في اليمن، لا يفهم احد الى اين سوف تخلص نتائجها، بعد ان اصبحت
التهديدات الايرانية للسعودية مباشرة وحادة، ولا ندري الى اي مدى سوف يمطر الغيم السوري الأسود بعد كل هذه السنوات من الخراب والدمار، وهل سيكون مصير 20 الفا من سكان مخيم اليرموك في دمشق، مخيم جديد على الحدود، ولا أين تصل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المتوقفة على تعنت وتطرف نتنياهو، بعد أن تاهت مشاريع المصالحة الفلسطينية في غياهب الجب.
"وين البلد رايحة" في ظل الاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمر بها الاردنيون، واحساسهم ببخل الاشقاء والاصدقاء، الذين لا يقدرون الاحوال الاردنية، وصعوبة الحياة التي يمرون بها، بعد ان دفعوا فواتير كثيرة في الازمات التي تعصف في المنطقة.
وفي ظل اعتلال العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، الا بتدخلات من رأس الهرم، حتى بات لا يمكن أن تمر جلسة نيابية من دون مشاجرة، أو مذكرة، أو تقريص بين الحكومة والنواب، واستعارة مواقف سابقة للوم والتذكير.
"وين البلد رايحة" بعد ان اصبح شعار الشباب الاردني ان افضل طريق لبناء المستقبل، طريق المطار، والهجرة الى المجهول، لعل وعسى يتم العثور على فرصة للحياة والعمل والامل.
كيف يمكن الإجابة على سؤال "وين البلد رايحة" إذا كانت قضية بحجم اعدام الصحافة الاردنية، التي وقفت مع البلاد في السراء والضراء، مهما اختلفنا على الاسباب التي اوصلت الحال الى ما هي عليه، لا تجد ابوابا للحلول سوى البيانات والمناشدات والمواقف الخشبية التي لا تنتج شيئا، ولا تضع الاصبع على الجرح.
اقول لكم "خلوها لبكرة.." والدايم الله.