عمّان غالية على قلوبنا
مما لا شك فيه أن التقرير الذي أصدرته مجلة الايكونومست البريطانية وفيه تم تصنيف العاصمة عمّان بأنها الاغلى في التكلفة المعيشية على مستوى الشرق الأوسط ومنطقة افريقيا نال جدلا والكثير من النقاش مؤخرا سواء في الأحاديث العامة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
شخصيا، سافرت الى العديد من الدول حول العالم وكنت ألمس في كل مرة أن التكلفة المعيشية في عمّان مرتفعة حقا قياسا الى مستوى الدخل الذي يحصل عليه الافراد المقيمين عليها، ولكن هناك من يرى أن عمّان تكاليف المعيشة فيها عادية وربما معقولة رغم انخفاض مستويات الدخول للعمانيين، فلكل شخص وجهة نظره.
ولكن، المتابع جيدا للحالة الاقتصادية للعاصمة عمّان يدرك تماما بأن الأسعار لم تكن كما في السابق، حتى نوعية السلع والخدمات المقدمة للمواطنين والزائرين قد تطورت وهذا ما ينعكس حتما على ارتفاع أسعار المعيشة والكلف بشكل عام سيما وأن عمّان أصبحت تضم العديد من الجنسيات من المواطنين العرب تحديدا الذين لجؤا اليها للعيش بآمان بعيدا عن الخوف وكل التصرفات غير الآمنة في بلادهم التي مرت فيما يسمى بالربيع العربي وهذه الترجمة الخاطئة التي لم تكلفنا الا الضحايا والدماء والدمار!
عندما قرأ أحد أصدقائي العراقيين الخبر المعنون بـ "الايكونومست: عمّان الأغلى في الشرق الأوسط وافريقيا"، علّق قائلا .. ربما تبدو الأسعار وتكلفة الحياة في عمّان مرتفعة ولكن علينا كمقيمين على أرض الأردن وأنتم أهل البلد أن لا تنسوا أن عمّان تطورت، فأصبحت أكثر جمالا بفعل الابراج والعديد من المجمعات التجارية والحدائق والساحات العامة في العديد من مناطقها وهذا ما يشمل عمّان الغربية وأيضا عمّان
الشرقية، وقتها لم أرغب بفتح نقاش حول الفرق في مستويات المعيشة والخدمات المقدمة في كل من غرب عمّان وشرقها، فالبعض يرى أن عمّان واحدة وهذا صحيح، لكنها ليست كذلك فيما يتعلق بمستوى وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين في العمّانين!
عمّان بحسب التقرير اتخذت مكانا "مرموقا" فهي ضمن أغلى 50 مدينة على مستوى العالم من بين 133 مدينة شملها التقرير، وعلى مستوى الشرق الأوسط والدول العربية فلقد تقدمت عمّان في ارتفاع التكلفة المعيشية على العديد من الدول سأذكر منها عن قصد أبو ظبي، دبي والدوحة تلك الدول النفطية والغنية بالموارد التي تشكل مصدر دخل هام وجيد لمواطنيها.
قبل سنوات صدر تقرير مشابه عن عمّان، وقتها كنت متطوعة مع مبادرة "تعليلة" التي تهدف لجمع الناس من مختلف الثقافات والخلفيات ليتشاركوا الافكار والاهتمامات ويتحدث كل منهم عما يريده لمشاركة الآخرين به، وفيها تحدث شاب سوري – كان أحد المتحدثين – واشار الى التقرير الذي
تحدث في وقتها عن ارتفاع الأسعار في العاصمة عمّان، ولكنه ما أن قال "عمّان غالية، أنا مواطن سوري حضرت لأجل الدراسة وألمس جيدا مدى الارتفاع في الأسعار .."، ودون أن يكمل جاءه الرد من حضور تعليلة من الشباب، الأطفال، النساء وحتى الشيوخ .. جاءه الرد بصوت واحد وكأنه كان مبرمجا رغم أنه لم يكن كذلك، فقد قالوا له بصوت واحد "فعلا عمّان غالية .. عمّان غالية على قلوبنا".
ورغم كل تلك السنوات التي مرت على تلك التعليلة التي كانت في فصل شتاء وكنا ننعم بدفء المكان وأمان عمّان ورغم توالي صدور التقارير عن عمّان وارتفاع الكلف المعيشية فيها إلا أنه لا يزال لتلك الجملة وقع خاص لديّ "عمّان غالية على قلوبنا" .. نعم، إنها عمّان .. إنها درة الشرق .. إنها التي كتب عنها ابراهيم جابر ابراهيم مقال رائع بعنوان "لي عمّان"، حيث ختمه وقتها بـ
قالت لي كاتبةٌ عربيةٌ مرّة: أحسدك؛ فأنا لي عمٌّ واحد، وأنت لك "عمّان"!