وين الباورة و«الديرة» يا بابا عيسى؟
في عام 1940 طلب المهرة (سكان جنوب اليمن) من عبدالعزيز بن حرب الذي كان على متن سفينة شراعية تجارية ان يساعدهم بإعطائهم ربانا، ليدلهم على ميناء البصرة، حيث كانوا يحملون «الچندل» لبيت الصقر الكرام -ليبادلوه بالتمر الى حضرموت- فأشار عبدالعزيز بن حرب الى فتى لم يتجاوز اثني عشر عاما! فردوا عليه باستغراب: «اننا نريد ربانا، وهذا الفتى صغير»؟! فأجابهم ابن حرب: «إذا توهكم قطوه بالبحر»! فسمعهم الفتى الشجاع، فشعر باعتزاز لثقة ابن حرب بسلامة اختياره، بد من ان يحصي دقات قلبه من جملة «قطوه بالبحر»، فنجح الفتى في مهمته بعزم وثبات، وتسلم خمس روبيات!
هذا الفتى العظيم هو النوخذة عيسى يعقوب بشارة -أطال الله في عمره- الذي رافق والده في رحلات اسفار واهوال بدل اللعب مع أقرانه الأطفال، قاطعا المحيط عبر شواطئ الهند وزنجبار، فما قطوه بالبحر آنذاك، ولكن بعد سنوات التقطه البحر، وهو نوخذة، ولم يتفقده أفراد البحرية إ بعد تسع ساعات، وهو يصارع المحيط بأهواله من أجل ما ينتظره من مسؤولية وعمل لم يكتملا.
وفي سنة المجاعة أيام الحرب العالمية الثانية التي أبادت أسماك البحر، نزل من بومه أفراد البحرية، ليعودوا من بر فارس «بالأوزرة»، فسألهم النوخذة: «وين ملابسكم»؟ فقالوا: «أعطيناها لضحايا المجاعة، فالنساء بلا ثياب»! فأمر بإنزال حمولة البوم من أكياس الطحين!
وعندما ودعه البحر، ووضعه البر على كرسيه المتحرك، منذ عام، وقد ادلى بصوته الحر (أيام انتخابات) عند بزوغ الفجر كي يزاحم غيره، ولكن بعقل منفتح كاسم بومه (فتح الخير)، فهو لا يرضى بغمس الاقلام في دماء قلوب من يخالفنا الفكر والملة والدين!
فليتصدَّ شبابنا اليوم نتقام الجغرافيا (على حد قول كابلان) في شبه الجزيرة العربية والهضبة الإيرانية وهضبة الأناضول بعقل منفتح وعمل دؤوب وتضحية وإيثار مثلك يا بابا عيسى، فالعمل مزمار يجب أن يتحول إلى موسيقى خالدة. أما أنا، فلا أريد أن أكون قصبة صماء، فإنني أذكر قراء اليوم ان من علمك اللغة الانكليزية يا بابا عيسى كان أستاذا يدعى إسرائيل، وان من سيصدح معنا الليلة «هولو.. هولو.. هولو.. هيييي» يدعى مارسيل.