تراجع الاستثمار الأجنبي في سوق عمان المالي إلى متى؟
أشرنا في مقالات سابقة الى ان دول العالم تتنافس على استقطاب الاستثمارات الاجنبية الى اسواقها المالية من خلال تقديم الحوافز وطمأنة المستثمرين وحفظ حقوقهم اضافة الى توفير بيئة مواتية تضمن عائدا ومخاطر مقبولة نظرا لاهمية العلاقة بين الاسواق المالية والنمو الاقتصادي وبالتالي نلاحظ ان معظم اسواق المنطقة تبذل جهودا كبيرة خلال هذه الفترة لإدراجها في المؤشرات الدولية من اجل وضع شركاتها على خريطة الاستثمار العالمي مما يعزز من تدفقات الاستثمار الاجنبي المؤسسي والذي يساهم في رفع كفاءة هذه الاسواق وتخفيض مخاطرها ودولة الامارات وقطر نجحت أسواقها بالانضمام الى العديد من المؤشرات العالمية وفي مقدمتها مؤشر مورجان ستانلي الشهير .
والملفت للانتباه استمرارية تراجع تدفقات الاستثمار غير الاردني بنسبة كبيرة على سوق عمان المالي بالرغم من انه من اكثر اسواق المنطقة انفتاحا على العالم وحيث يملك غير الاردنيين حوالي نصف رؤوس اموال الشركات المدرجة بينما تتراوح نسبة تملك الاجانب في معظم اسواق المنطقة مابين ٢٠٪ الى ٢٥٪ وحيث تتحفظ بعض الاسواق على تملك الاجانب لاسهم الشركات الاستراتيجية وفي مقدمتها قطاع البنوك اضافة الى ان الاردن منح المستثمرين الاجانب حرية تحويل الأموال عند بيعها وتحويل ارباح الشركات مع الأخذ في الاعتبار ان ارتباط سعر صرف الدينار الاردني بالدولار الامريكي خفض مخاطر سعر الصرف.
والاستثمار الاجنبي كما هو معلوم لعب دورا هاما في تعزيز اداء سوق عمان المالي خلال فترة انتعاشة من عام ٢٠٠٤ الى عام ٢٠٠٨ وحيث ساهمت تدفقاته الكبيرة في ارتفاع سيولته وزيادة عمقه اضافة الى لعب الاستثمار الاجنبي دورا هاما في نشاط سوق الاصدار الاولي نتيجة المشاركة الكبيرة في الاكتتاب في اسهم الشركات الحديثة التي طرحت للاكتتاب العام اضافة الى مساهمته في زيادة رؤوس اموال الشركات ألقائمة والتي يساهم بها والذي ساهم بتعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي الاردني بنسبة كبيرة في تلك الفترة وساهم بتعزيز ميزان المدفوعات وتدفق العملات الاجنبية مما عزز من قوة سعر صرف الدينار الاردني ونتيجة التأثيرات السلبية للازمة المالية العالمية وما تبعها من ازمات اثرت سلبا على اداء الاقتصاد الاردني واداء القطاعات الاقتصادية المختلفة واداء ارباح الشركات المساهمة العامة التي تمثل هذه القطاعات بداءت تدفقات الاستثمار الاجنبي على سوق عمان المالي بالتراجع التدريجي وانخفضت الى مستويات متدنية جداً مقارنة بسنوات سابقة والملفت للانتباه عدم استغلال الاستثمار المؤسسي العربي وخاصة الخليجي والذي يملك حصص استراتيجية في رؤوس اموال العديد من الشركات المساهمة ومنها على سبيل المثال البنوك الكبيرة مثل البنك العربي وبنك الاسكان فرصة التراجع الكبير في اسعار أسهمها السوقية خلال الخمسة سنوات الماضية واستغلال الفرص عادة ما يكون مرتبط بالعديد من العوامل يأتي في مقدمتها العائد المتوقع من استغلال هذه الفرص والمخاطر المصاحبة لهذا الاستغلال وحيث يعطي الانخفاض الكبير في سيولة سوق عمان المالي مؤشرات هامة للاستثمار الاجنبي على تراجع ثقة المستثمرين الاردنيين في الاستثمار في السوق والذي يصاحبه ارتفاع المخاطر خاصة وان قرارات الاستثمار المؤسسي سواء المحلي او الاحنبي عادة ما تكون مبنية على دراسات وتحليلات وتوقعات بعكس الاستثمار الفردي والذي غالبا ما تتأثر قراراته الاستثمارية بالاشاعات والعواطف والسير خلف الجموع وفي الوقت الذي ما يزال يشهد فيه سوق عمان المالي تراجعا في نشاط الاستثمار الاجنبي نلاحظ بالمقابل ارتفاع حجم هذا النشاط في العديد من اسواق المنطقة بهدف تنويع العوائد والمخاطر بحيث شكلت استثمارات الاجانب في اسواق الامارات على سبيل المثال مانسبته ٤٠٪ من إجمالي التداولات وحقق الاستثمار الاجنبي عوائد جيدة من استثماراته في اسواق الامارات بعد التحسن الكبير في جميع مؤشرات أدائها والملاحظ ان شراء وبيع الاستثمار الاجنبي في سوق عمان المالي لايشكل نسبة تذكر من القيمة السوقية للأسهم التي يملكها هذا الاستثمار والتي تصل الى حوالي تسعة مليارات دينار والتي تشكل نصف القيمة السوقية لاسهم الشركات المدرجة والانخفاض الكبير في صافي الاستثمار الاجنبي مؤشر على عدم رغبة هذا الاستثمار بالاحتفاظ بالأسهم المشتراة لفترة زمنية طويلة نتيجة التخوف من المخاطر المختلفة ومنها عدم استقرار الاوضاع السياسية والعسكرية في الدول المحيطة بالاردن كما ان ارتفاع حصة سيولة المضاربين الأفراد في السوق وضعف الاستثمار المؤسسي يساهم ايضا في ارتفاع مخاطر السوق .
ومازال اداء معظم الشركات المساهمة المدرجة في السوق يعطي مؤشرات أولية على تباطؤ اداء الاقتصاد الوطني واقل من توقعات المتفائلين في ظل ظبابية توقعات اداء الاقتصاد للفترة القادمة وحيث تلعب التوقعات الايجابية من قبل مختلف شرائح المستثمرين في تعزيز الثقة والشراء والاحتفاظ وحيث لم يحدث خلال هذه الفترة أي تغييرات جوهرية في اداء الاقتصاد الكلي في ظل الاختلالات الهيكلية المختلفة التي يعاني منها الاقتصاد.
والفرص الاستثمارية المتوفرة في السوق تحتاج الى جهود عدة جهات مرتبطة به وفي مقدمتها الوسطاء وهيئة الاوراق المالية وادارة السوق و شركات الاستثمار وصناديق الاستثمار لترويجها وحيث مازالت الدراسات والابحاث المتخصصة والصادرة عن جهات استثمارية محلية تتميز بالمصداقية حول الاسعار العادلة لاسهم الشركات المدرجة في السوق محدودة او غير متوفرة وإذا توفرت فهي غير مفصح عنها بحيث تكون في متناول الجميع وهنا لابد من اهمية ترويج الفرص المتوفرة في السوق للمغتربين الاردنيين وحيث تشكل استثماراتهم وتداولاتهم حصة هامة من تداولات اسواق الامارات على سبيل المثال وغيرها من الاسواق اضافة الى ترويجها للصناديق السيادية والاستثمارية الخليجية وحيث يفترض ان الاقتصاد الاردني والشركات الاردنية قد استفادت من التراجع الكبير في سعر النفط.