رئيس الحكومة يدرك علل التعليم العالي
يعلن وزير تعليم سابق أن التعليم في تراجع، وأنه في طريقه للانهيار، والدول من حولنا والتي تطلب السير الذاتية تراقب المشهد وتقرأ التصريحات وتتعجب، وبينما شركات التوظيف في الخليج وغيره تطلب الشباب الأردني، فإن أصحاب المعالي والعطوفة السابقين واللاحقين يشبعون التعليم العالي ضربات موجعة وتصريحات هوائية لإعادتهم لمقاعد رئاسة الجامعات، ووزارات التعليم العالي، ولا يدركون الضرر المتحقق من تصريحاتهم على توفير فرص العمل لآلاف الخريجين.
على الأقل لم نسمع من هؤلاء شيئاً يوم كانوا في قيادة الجامعات ولم يستقيل أحد منهم، ولم يحتج على قرار وزير تعليم عال معاصر له لأنه مس استقلاليته، ولم نسمع أن احدا منهم اتخذ قرارا يعزز تلك الاستقلالية ودافع عنه. وفي المقابل تنجح المؤسسة الطبية الأردنية الأم وهي مدينة الحسين في تحقيق انجاز طبي غير مسبوق في الشرق الأوسط ويخص زراعة خلايا جذعية وبدون جراحة في البنكرياس لانتاج الأنسولين، ذلك تقدم طبي لا ينفصل عن مشهد التعليم العالي ويستحق التقدير والاحترام. وعلى الأقل لا يمكن نقد مستوى التعليم العالي بما يوجه له من حراب وطعنات في وقت يحقق فيه الأردن تقدماً طبياً متميزاً، لعل هذا أحد وجوه انفصام النخبة وامراضها النفسية.
حتى اليوم، تتوالى الصيحات المنددة بمسار التعليم العالي من قيادات سابقة، وفي وقت تولي فيه الحكومة قدراً ملتزماً بمتابعة استرتيجية التعليم العالي، يجب الاعتراف أن الحكومة الحالية وبرغم تدني أو ارتفاع مؤشرات الرضا عنها، إلا أنها كانت ملتزمة بمتابعة الحوار مع رؤساء الجامعات ثم يوم السبت الماضي مع رؤساء مجالس الأمناء، فهذا الامر هو محظ اجتهاد وطاقة خاصة من قبل رئيس الحكومة نحو الجامعات فالرجل مطلع على التعليم العالي ويعرف علله وامراضه منذ كان وزيراً له قبل أكثر عقدين من الزمن.
على أرض الواقع، نجحت الحكومة في تعيين آخر رؤساء الجامعات وفق جدول مفاضلة ومقابلات، وكذلك جاء تعيين الأمين العام لوزارة التعليم العالي، لكن الوزارة نفسها تحاول تعطيل مشروع الجامعة الأردنية الصينية وبدون سبب، ووزير التعليم العالي حسب مصادر مقربة منه ألغى زيارة له مؤخرا للصين، وفي جامعة الطفيلة حين زارها افتى بعدم الحاجة لجامعة صينية تقنية ما دامت الجامعة الألمانية موجودة.
عموماً من حق الدولة المحافظة على ما هو موجود عندها، لكن بوسعنا الطلب من الصين تحديد الجامعة بتخصصات محددة، ومن غير المعقول أن يترك أمر قبول جامعة من دولة مثل الصين بيد وزير بعينه، مع أنها كانت مطلباً ملكياً من حكومة الصين.
حتى الآن، الانتقادات التي وجهت منذ سنوات وما زالت توجه وتنذر بانهيار التعليم العالي ليست بريئة، ولا يمكن تفسيرها بأنها ناصحة، غير أنه تتفتق منها شهوة الرجوع للسلطة، أو ايهام الدولة أن الحل يصدر عن تلك الجهات التي تحولت إلى الرؤية النقدية فجأة لتهدي الحكومة من الظلال للحق، نعم فجأة نزلت الحكمة والشجاعة بعدما كانوا في مواقعهم في قمة السلبية.
صحيح أن هناك أخطاء في الجامعات، وهناك أعضاء هيئة تدريس من المستوى الضعيف، وثمة اخلاقيات سلبية ضربت القطاع، لكن هذا موجود في كل قطاعات الدولة، والمهم أن يكون هناك دعوة للمراجعة وليس تشهيرا بالانهيار.
اظن أن رئيس الحكومة بيده الأمر ويعرف العلل، ويعيها ويدرك الحلول، وقد كلف دولة الدكتور عدنان بدران قبل نحو عام وأكثر باعداد استرتيجية واضحة لتطوير التعليم العالي وقبل اسبوع التقى رؤساء الأمناء في سياق المتابعة الجادة والمأمولة.
والمهم أيضاً تحميل مجالس الأمناء مسؤولية تقييم أداء رؤساء جامعاتهم وحدهم، والأهم البحث عن موارد جديدة ودعم نقابة الاساتذة الجامعيين التي توشك أن تولد، وإلا كيف لنا أن نفسر سرعة مباركة الحكومة لرابطة الاكاديميات الأردنيات!!.