ما حقيقة تقسيم أمريكا للكعكة السورية...وما علاقة روسيا بهذا المخطط؟
لم تُخفِ الولايات المتحدة الأمريكية يوماً مخططها بتجزئة وتفتيت الدولة السورية، وتقسيمها الى عناوين متصارعة فيما بينها من أجل إضعافها ومن ثم القضاء عليها بعد أن أصبحت رقماً صعباً في المنطقة، في هذا السياق كثرت الإشاعات التي تروجها بعض وسائل الإعلام الغربية والعربية حول الوضع في سورية وأن هناك إتصالات تجري بين الولايات المتحدة وروسيا، لوقف إطلاق النار في سورية، وتقسيمها إلى دويلات بحسب مناطق سيطرة الجهات المتقاتلة عليها، بفرض أن القتال في سورية وصل إلى طريق مسدود، ولذلك لا بد من تقسيم البلاد بين النظام الذي تدعمه روسيا، وبين المعارضة والقوى المتطرفة التي سيتم تعيين قيادتها على الطريقة الأميركية للمجموعة المسلحة الأقوى، وتشترط روسيا أن تقسّم الخريطة بشكل يخدم مصالحها، بحيث تتضمن إستمرار سيطرة النظام على العاصمة دمشق وعلى غالبية المناطق المحيطة بها، إلى جانب السيطرة على مرتفعات الجولان والمناطق المؤدية إلى طرطوس، وذلك لضمان السيطرة على ميناء طرطوس، حيث القاعدة العسكرية الروسية، ولكن من الأهميّة هنا الإشارة إلى أنّ التقارير الأمريكية والإسرائيلية التي نشرت توقعت سقوط النظام السوري وتقسيم الدولة إلى عدّة دويلات على أسس طائفيّة، واليوم بعد مرور أكثر من أربع سنوات من عمر الأزمة السورية، تبينّ أنّ التوقعات والمعلومات الأمريكية المدعومة من عدة دول إقليمية وعربية كانت مُضللة، وأنها تدخل في إطار الحرب النفسيّة التي تخوضها أمريكا بشراسة ضدّ سورية ومحور المقاومة باتجاه خدمة إسرائيل بالدرجة الاولى.
إن سياسة الإغماء التي تتبعها الولايات المتحدة الآن في سورية عن طريق إدخالها بدوامة الأزمات الأمنية والسياسية والإقتصادية والصراعات الطائفية، وإستنزاف ثرواتها بمحاربة الإرهاب كل هذه الأمور ليست إلا تمهيداً لإنجاز المشروع التقسيمي لسورية، وما الإرهاب المتمثل بداعش وغيرها من الجماعات المتطرفة والمليشيات المسلحة إلا ذراع لها، رسمت له دوره التقسيمي والتخريبي بشكل دقيق ومتقن وستعمل على إنهاء وجوده بعدما توصل مكونات المجتمع السوري الى درجة الإحتقان والشد الطائفي والقومي لدرجة يقنع السوريين ان لا حل لمشاكلهم وأزماتهم سوى التقسيم، فالتحالف الذي أعلنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمواجهة "داعش" هو في الحقيقة لتنفيذ مخطط التقسيم، واليوم يعمل هذا التحالف على إحتواء "الدولة الإسلامية" وتقليل رقعتها الجغرافية وعزلها في الصحراء وإضعافها ومنعها من التوسع خارج الحدود التي تم رسمها في إطار سايكس بيكو الثانية، وهذا الوجود العسكري الأمريكي وأسلحة الجو لقوات التحالف ليس وجوداً مؤقتاً وإنما لحراسة الحدود الجديدة التي وضعت على الخرائط منذ أكثر من ثلاثة عقود، ويتم تنفيذها على الأرض بالدم، إذاً إن الإستراتيجية الأمريكية والدول الغربية المتحالفة معها تجاه سورية مرسومة مسبقاً ويعملون على تنفيذها منذ سنوات طويلة وأنجزوا منها الكثير، وكادوا يحققون ما أرادوا لكن حدث ما لم يكن يتوقعوه، فالدول الغربية لم تعد قادرة على القتال على الأرض وتفرض ما تريد، ويصعب عليها التنفيذ حسب المرسوم خاصة مع تنامي المقاومة والصمود الذي فاق كل التوقعات الغربية.
بالتأكيد ليس كل ما تريده أمريكا يتحقق ما دام هنالك شعب حي وإرادة تقاوم، ومن هنا فإننا مطمئنين إنه لن تنقسم سورية ليس لعدم وجود رغبة أمريكية لتقسيمها، بل لوجود صمام أمان يمنع التقسيم وأقصد به الجيش السوري وفصائل المقاومة، لأنها دائماً في المرصاد ضد أي محاولة تستهدف وحدة سورية أرضاً وشعباً، ومن هنا نقولها للسوريين أطمئنوا فلا تقسيم لسورية ما دام الجيش موحداً، لانه ليس في صالح أي أحد تقسيم البلاد والخضوع لمخططات الغرب والتي تحاول تمزيق المنطقة وتقوية حليفها الإستراتيجي "الكيان الصهيوني" الأمر الذي سيجعل الجميع ضعفاء ممزقين لا يمكنهم حماية أنفسهم من أي خطر قادم، في هذا الإطار كلنا ضد التقسيم، كلنا مع سورية الموحدة، لذلك على الجميع أن يدرك أن أمريكا في سورية رهان خاسر، وأن المراهنة عليها في هذا الظروف الراهنة الذي تمر بها سورية " كامستجير من الرمضاء بالنار" ولا رهان سوى على وحدتنا وثوابتنا الوطنية وإنتمائنا لأرضنا، فهو السبيل الوحيد الذي يمكن للجميع من عبور هذة الأزمة ونتائجها.
في هذا الإطار إن تفتيت وتقسيم سورية قد يقلب الخرائط كلها وأولها لبنان وهي التي تفتح آفاق حرب أهلية بعدوى من الوضع السوري، ويأتي العراق والأردن المضطرب أيضاً، وهناك ستكون كارثة التقسيم جزءاً من مرسوم وقعته أمريكا، وحتى تركيا سوف تجد نفسها في مواجهة مع الأكراد عندما تتم حلقة تجميع أسس الدولة الكردية الكبرى، التي ستهدد تركيا وتحصل على كل الثروات الطبيعية المدفونه لتأمين البلاد، وهنا سيشكل هذا السيناريو حقيقة أساسية مفادها أن سلام وإستقرار سورية يضمن سلامة جيرانها، وفي حال فقدانها هذه الشروط ستكون ملحمة الموت والتقسيم لها ولمن حولها من الجيران.
في سياق متصل يمكنني القول إنه برغم حجم الدمار الذي أفرزته حرب الإستنزاف للدولة السورية، فما زالت سورية قادرة على أن تبرهن للجميع أنها قادرة على الصمود والدليل على ذلك قوة وحجم التضحيات والإنتصارات التي يقدمها الجيش السوري بعقيدته الوطنية والقومية والتي إنعكست مؤخراً بظهور حالة واسعة من التشرذم والقلق للمليشيات والقوى المتطرفة، إن هذه الحالة داخل هذه المجموعات المسلحة يقابلها حالة صمود وتعزيز لقوة الجيش السوري وحلفائه في الميدان، وإن إستمر هذا الصمود فمن شأنه أن يضعف التآمر الدولي والإقليمي الساعي الى إسقاط سورية بكل وسائله وإمكانياته.
مجملاً....إن سورية ستنهض من جديد مهما حاولت أمريكا وعملائها في المنطقة وستنتصر إرادة الشعب السوري، إذاً لا فرق بين مكونات الشعب في سورية هكذا كانت دائماً سورية صاحبة الحضارة العريقة، وعلى الأعداء والحاقدين علينا أن يحسبوا من الآن فصاعداً كم سيدفعون لقاء مشروعهم التآمري هذا، وأن مكابرة واشنطن لنفي هزيمة مشاريعها في سورية لن تنفع، فالحرب الأمريكية ضد سورية التي إشتدت منذ عام 2011 تشرف الآن على نهايتها، وبإختصار شديد أن رفض السوريين منطق الإنقسام يقيهم من حدوثه فالمتآمرون حاولوا المستحيل لإضعاف وتقسيم سورية التي لا تزال تقاوم على مدار أربع سنوات برفضها منطق الهزيمة فلم ينالوا منها برغم إنها تقاتل وتواجه الارهاب نيابة عن العالم بأكمله.